الأردن بين «الألغام» المالية: الصديق «يعتذر» والشقيق «يتجاهل» والصندوق «يتعسف»
يحتفظ وزيرا التخطيط والمالية ومعهما الطاقم الاقتصادي في الأردن بالمراسلات والوثائق التي تعتذر فيها «دول صديقة» عدة عن «تقديم أي مساعدة» قبل معالجة الإشكال مع صندوق النقد الدولي المصر بدوره هذه المرة على «سلسلة إصلاحات» تشريعية مفصلة تاركاً الخيار للأردنيين.
الموقف غامض ومحير في الحالة المالية الأردنية، وحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز تواجه «الخيار صفر». اليابان رصدت مبلغاً لمساعدة الأردن وألمانيا كذلك ومعهما كندا في إطار بعض المنح والقروض الميسرة. لكن تلك «الفاكهة المالية» مربوطة تماماً بموافقة صندوق النقد الدولي المتعسف بدوره. وحتى بعيداً عن الأصدقاء وفي مستوى «الأشقاء»، لا جديد على المعادلات المرسومة منذ خمسة أعوام، حيث «العوائد صفر» تماماً من الاستثمار السياسي في دعم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وما تقدمه الإمارات بـ «القطارة»، ولا تحدث تحولات مهمة، والمنحة الخليجية عموماً «لم تجدد».
وعندما يسأل رموز المطبخ عن مبررات الوقوف دوماً خلف القيادة السعودية الجديدة بدون عوائد في نظام المساعدات، يتحدث المعنيون عن سياسية «كف الشر»، بمعنى تجنب الصدام وعوائد أي خلاف سياسي أو مواجهة تشنجات محتملة حتى عندما تكون المساعدة «غير متاحة» في نطاق سياسة «القفز بين الألغام».
قيل بوضوح لرئيس البنك المركزي الأردني، الدكتور زياد فريز، وعدة مرات ومن مسؤولين في البنك الدولي بأن «الاقتراض» بشروط ميسرة وبنسبة فائدة «تنموية» لا تزيد عن 4% بعد الآن غير ممكن بدون تحسين المملكة لتصنيفها مع صندوق النقد الدولي الذي قرر بدوره حرمان الحكومة الأردنية من «الدلال المعتاد».
بدون ذلك، والتزام حرفي بما يسمى «إصلاح ضريبي» يتناسب مع قدرات الاقتصاد الأردني، يستطيع الأردن الاقتراض من السوق الدولية وبنسبة فائدة قد تصل لـ 9%. وجرب طاقم الإدارة العليا الأردنية كل أصناف الخطاب مع مركز صندوق النقد لتخفيف هذه الاشتراطات، وتحدث في إحدى المرات القصر الملكي مباشرة مع السيدة الفرنسية التي تدير الأمور في الصندوق وبدون فائدة.
حصل صراخ ومفاوضات ومراسلات وضغوط سياسية بدون فائدة فقد تحول الأردن فجأة بمقايسات الصندوق إلى «زبون» لا خيارات أمامه إلا الالتزام بتصعيد تشريعي يضمن أولاً القضاء التام على مظاهر «الكرم الضريبي» وبمستوى نفقات ثانياً يعكس حجم الاقتصاد المحلي وبدون مبالغات.
بصفته مسؤولاً سابقاً في البنك الدولي وأحد خبرائه، جرب الدكتور الرزاز نفسه المبادرة والمناورة وتصلب الصندوق الدولي بموقفه تماماً حتى اضطر الرزاز نفسه لإعلان وجود «أجندة سياسية» ضاغطة على بلاده.
قبل ذلك انقلب المفاوض الرئيسي الموجود في عمان باسم الصندوق على تفاهمات عدة تقررت على يديه بعد أوامر مركزية من إدارة الصندوق، واستمعت «القدس العربي» للرجل الثاني الدكتور رجائي المعشر يتحدث مع ممثلي قطاعات ويقول: لا بد من التأهل لمعايير الاقتراض والمساعدات، والعالم سيتوقف عن مساعدتنا إذا لم نساعد أنفسنا. ويصر الدكتور فريز، وهو لاعب مهم في التخطيط المالي، على أن «الإصلاحات» مفيدة للمستقبل وواجبة وطنياً حتى لو لم يطلبها الصندوق الدولي.
ويخشى المراقبون السياسيون أكثر من أن تكون ضغوط الصندوق لها علاقة بخلل مفترض في «أوراق الإقليم» والبعد الوظيفي، ويعكس أكثر من أي وقت مضى مطالب سياسية لها علاقة بالشرق الأوسط الجديد وصفقة القرن والمطلوب من الأردن على هامش التسوية الجديدة التي يخطط لها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. واللافت جداً أن مسؤولين بارزين، من بينهم المعشر وفريز ووزير المالية عز الدين كناكريه، لا يقولون ذلك علناً ويتحدثون عن «وجبة إصلاحات» واجبة ضريبياً من الواضح أن الشارع يعارضها والبرلمان يفكر–لأسباب تخصه – بالتخفيف من حدتها، الأمر الذي يبرر لاحقاً الخلاف التشريعي بين مجلسي الأعيان والنواب.
ظهر وزير المالية الأسبق الدكتور أمية طوقان، الذي أدار اللجنة المالية في مجلس الأعيان، على شاشة التلفزيون مساء الأحد وهو يعلن بأنه سيدفع 25% ضريبة لو طلبت منه الحكومة 20%، والسبب برأيه توفير عنصر الاستقرار والأمن. والمحاججة برمتها ضد اتجاهات التصعيد الضريبي تستند إلى واقعة رقمية واقتصادية تقول بأن تحقيق الوفر المالي وتخفيض عجز الميزانية يتطلب «تقليص الضريبة» وليس رفعها. وكل الإثارة في المشهد السياسي والضريبي الأردني هدفها توفير نحو 300 مليون دينار فقط العام المقبل.
في اجتماعات مغلقة، سأل المعشر: وهل تعتقدون بأن صندوق النقد لا يعرف ذلك؟
على الأرجح يعرف الصندوق ذلك، لكنه يقفل باب الحوار ويعيد الحكومة في كل وجبة مفاوضات إلى المرحلة الأولى بعنوان «وعاء ضريبي» يعكس حقيقة قوة الاقتصاد الأردني…هنا تحديداً المشكلة ومربط الفرس سياسياً، لأن الجميع اكتشف بأن الاقتصاد الأردني في الماضي القريب «لا يتصرف» وفقاً لحجم اقتصاده الطبيعي.