الأردن بين “الفطام” و”وصفة هارفارد”: الاقتصاد يغادر الأزمة لكن المديونية تجاوزت 29 مليار دينار
:ساعات قليلة جداً فصلت بين إعلان الوزيرة جمانة غنيمات في الأردن بأن بلادها تخرج تدريجياً من الأزمة الاقتصادية، وبين الإفصاح المالي الأخير لوزارة المالية، الذي يقول إن المديونية تجاوزت 29 مليار دينار، بمعنى أنها تقترب من حاجز الـ45 مليار دولار، وهو ما لم يحصل إطلاقاً في الماضي.
طبعاً، الوزيرة النشطة التي تنطق باسم الحكومة لم تشرح بصور مفصلة عن ماذا تتحدث.
في المقابل، لم يفصح وزير المالية عز الدين كناكرية، عن الحيثيات التي دفعت المديونية في النصف الأول من العام الحالي إلى سقفها الجديد، وبعد نصف عام على الأقل من سياسة التصعيد الضريبي، التي قالت الحكومة إنها ستؤدي إلى تقليص العجز المالي وخفض الديون الخارجية.
وهنا لا يتحدث أي من الوزيرين عن الديون الداخلية، ولا عن ركود القطاع التجاري بنسبة يقدرها الخبراء بـ40 في المئة على الأقل، ولا يتحدثان أيضاً عن تراجع تم رصده مؤخراً في الصادرات إلى العراق، رغم توقيع نحو 15 ألف اتفاقية مع العراقيين، ولا عن استمرار ارتفاع فاتورة النفط والطاقة.
وتسترسل حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز في رفع المعنويات بخصوص المسألة الاقتصادية وإدراج الوزيرة غنيمات جزءا من هذه الاستراتيجية.
وعندما يتعلق الأمر باستفسار “القدس العربي” المباشر من أحد أركان الطاقم الاقتصادي عن مؤشرات الخروج من الأزمة، يؤشر إلى مسألتين: الصادرات نمت مؤخراً إلى نسبة 6 في المئة، ونسبة الإشغال في قطاع الفنادق والسياحة كادت تصل إلى 100 في المئة، والدخل السياحي زاد بوضوح.
والغرق في لعبة أرقام الاقتصاد الأردني مهمة محفوفة بالمخاطر، كما يقدر يوسف القرنة، الرئيس الأسبق للجنة المالية في البرلمان، وهو يعيد التذكير بضرورة التوقف في الحسابات الرقمية عن عقلية المحاسب، والانتقال إلى مستوى ذهنية التخطيط المالي والاقتصادي.
وثمة من يقول وسط وزراء الطاقم الاقتصادي الأردني إن الدراسة التي تحولت إلى خطة عمل حكومية، أجراها فريق جامعة هارفرد وتحمس لها وزير التخطيط والتعاون الدولي الحالي، الدكتور محمد العسعس، هي الأساس المعتمد للبرهنة على مؤشرات مغادرة الأزمة الاقتصادية التي تتحدث عنها الوزيرة غنيمات.
لكن الرئيس الدكتور الرزاز سبق أن رفع قبل الجميع شعار الاستعداد الوطني لمرحلة الفطام؛ بمعنى الاستغناء عن المساعدات الخارجية والاعتماد على الذات، وهي صيغة لا يفهمها الشارع الأردني إلا على أساس المزيد من الضرائب وارتفاع الأسعار، وهما نطاقان يحاول الرزاز وطاقمه تمريرهما تحت شعار إحداث فارق في نوعية الخدمات التي تقدم للمواطن باسم القطاع العام.
في كل حال، لم يعد من المعروف طبيعة الرهانات التي تعتمد عليها حكومة الأردن في القول بمغادرة الأزمة الاقتصادية.
عند الإصغاء لأركان المطبخ الاقتصادي ثمة تفاؤل ارتفعت نسبته مؤخراً بناء على مؤشرات محددة لا تقف عند حدود ارتفاع سلم الصادرات والموسم السياحي الناجح، بل تشمل تعويض خسائر وقف الاستيراد المتبادل مع سوريا بالاسترسال في لعب دور الوسيط السياسي، مع شراكة اقتصادية بين جمهورية مصر ونخبة الحكم العراقي التي تتحدث عن رغبة العراق الجديد في العودة إلى المشرق.
وهنا ثمة رهانات حقيقية عند صانع القرار الأردني في تحقيق مكاسب جديدة عبر تقريب المسافة في التجارة والأعمال بين القاهرة وبغداد.
وثمة رهانات موازية على الاستثمار في البديل القطري بعد عودة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، والمؤشرات التي تصدر عن الدوحة بعنوان الاستعداد لإطلاق حزمة مؤثرة واستراتيجية من الاستثمار المتبادل.
وبين الرهانات بالتأكيد ما هو مرتبط ببرنامج وأجندة حكومة الرزاز بخصوص ملف الطاقة، بعد التوسع في مشاريع إنتاج الطاقة البديلة والحديث عن مؤشرات لاستخراج النفط والغاز من مناطق في جنوب المملكة أو شرقها.
وبالتأكيد يبدو أن اجتماعات اللجنة الوزارية العليا الأخيرة مع مصر كانت واعدة، وتخللتها سلسلة مشاورات واتفاقيات يحرص الطرفان الآن على التكتم عليها، وقد تقود إلى استراتيجية فعالة تساهم في أن يستفيد الأردن من التشبيك بين العراقيين والمصريين مستثمراً في موقعه الجغرافي أو الجيوسياسي.
في الأثناء، تبدو حكومة الرزاز ميالة لاتجاه “وطني أكثر” في إدارة المصالح الاقتصادية، فقد ألغت اتفاقية تقول إنها غير عادلة للتبادل التجاري مع تركيا، وتشددت في منع الاستيراد من سوريا رداً على منع سوريا الاستيراد من الأردن، وذهبت باتجاه ما تصفه بزيادة بعض المكاسب في إعادة التفاوض على اتفاقية التبادل التجاري مع الاتحاد الأوروبي.
ولم تنس إظهار قدر من التراخي عن محاولات المعارضة التنديد باتفاقية الغاز مع إسرائيل، أملاً على الأرجح في إعادة التفاوض عليها أيضاً.
تلك كلها رهانات ضمن خطة منهجية ودقيقة كما يصفها رئيس الطاقم الاقتصادي الدكتور رجائي المعشر.
لكن ما يقوله عقل الحكومة إنها خطة تحتاج إلى وقت حتى تدرس انعكاساتها ومكاسبها.
وهو وقت قد لا يسعف الدولة الأردنية في الخيارات السياسية الإقليمية، وقد لا يقنع الشارع بسبب حمى الضرائب والأسعار، والأهم أنه وقت لا يمنع الركود التجاري في الأسواق ولا تجاوز المديونية لحاجز الـ29 مليار دينار حتى اللحظة على الأقل.