الأردن بين «الليبرالي» والمحافظ: أخفق الجميع
الجميع مسؤول وبنفس المسطرة وعندما يتعلق الأمر بغياب المصداقية في العلاقة بين الدولة والناس أو بالشللية أو المحاصصة المنهجية البغيضة أو بتراكم مشكلات نظام الخدمات والقطاع العام والتراجع الاقتصادي لا يمكن ربط الاخفاق بمحافظ أو ليبرالي فالجميع أخفق وعلى الدولة أن تبدأ المعالجة من نقطة مرجعية تعترف بهذا الاخفاق
مؤشرات السرور والمناكفة التي يظهرها رموز التيار المحافظ والبيروقراطي القديم في الأردن تجاه تراكم المشكلات يعوزها الانصاف والعدالة في التحليل والتقييم.
لا استطيع اظهار الشعور بالاحتفال عندما يظهر مسؤول سابق واحد رجال الدولة في الماضي بصورة علنية مقدما نفسه في إطار نقدي أو مناكف يحاول التقرب من الحراك وبصورة لا تليق بالإيمان المطلق أن التعقيدات والمشكلات المتراكمة حاليا امنيا واجتماعيا واقتصاديا واداريا لها علاقة بالماضي بقدر ما هي مرتبطة بالحاضر.
يستحق أي رجل دولة خدم وقام بواجبه في الماضي الاحترام والتقدير عندما يظهر مناقشا ومناورا ومقترحا علاجات للواقع الصعب.
وأؤمن شخصيا بالمدرسة التي تقول إن الاستفادة من خبرات الماضي خطوة حضارية بامتياز.
لكن ما يقلل التقدير لبعض الآراء والطروحات التي تظهر بالحالة الأردنية اليوم وتتقمص المعارضة أو تخطط للمناكفة هو تلك الرائحة التي نشتمها احيانا والتي تحاول تسويق الايحاء مجددا بان الدولة تضعف والنظام تغيرت أحواله بسبب ابتعاد شخص ما عن الإدارة العليا مهما كان موهوبا أو عميقا ومؤثرا.
نتفهم باحترام رمز الماضي ورجل الدولة الحقيقي عندما يشتبك مع الحيثيات والتفاصيل بصورة موضوعية ويقدم معالجات وحلولا بعيدا عن الحسابات الشخصية أو الشللية أو التياراتية.
ومن الطبيعي أن يقل الاحترام عندما يحاول أي مسؤول أو سياسي سابق الادعاء بأن المشكلات حصلت بعدما غادر موقعه أو الزعم أنه بريء تماما من اي تهمة لها علاقة بالتراجع الاداري.
وعندما يدعي مسؤول سابقا ضمنيا وبعدة لهجات بانه يشكل القائد الضرورة والحل اليتيم لمشكلات الدولة العميقة وكأنه يستند على المنطق الشعبي الهزيل الذي يعلي من شأن الفرد ويعتبره عبقريا فقط ويعلي من شأن المقولة الدارجة بان «أمهات الأردنيين عقمن عن تقديم بديل».
المنطق يقول ببساطة شديدة إن أي مشكلة تحصل اليوم في الأردن هي نتيجة تراكم واحتفال شارك فيه الجميع من التيار الليبرالي أو الذي يدعي الاصلاح وكذلك من التيار البيروقراطي والمحافظ والحرس القديم.
الأردن بلد ضربت فيه الأحزاب السياسية قصدا ومن كل رموز التيار المحافظ في الماضي.
وبالتالي غابت البرامج وتقلصت المعالجات والحلول بسبب تلك الضربات التي كان يوجهها رجال الماضي لكل فكرة نبيلة أو لحرية وتعددية الأحزاب أو لأفكار إصلاحية تحت بند فاتورة سياسية كانت تبتز الدولة والنظام في الكثير من المفاصل بشعار يقول «الولاء أهم من الكفاءة».
لا يمكنني القبول بفكرة ولادة وتراكم المشكلات اليوم فقط لأن بعض الافراد من رموز الحرس القديم تم ابعادهم عن واجهة القرار فالمحاصصة في الوظائف العليا واجهاض الديمقراطية والاصلاح الحقيقي وضرب التفكير الحزبي كلها مهام ووظائف قام بها الحرس القديم ولا يمكن اتهام من يوصف من باب الدجل احيانا في الأردن اليوم بانهم من رموز التيار الليبرالي.
الشللية والعشائرية والهويات الفرعية وتمثيلية الربط بين تأجيل الاصلاح السياسي والصراع العربي الاسرائيلي كلها عناصر في المشهد الأردني ولدت منذ عقود ولا يمكن اتهام الديمقراطية أو التحول الديمقراطي أو الليبراليين بها. كذلك الأمر عندما يتعلق النقاش بمنهجية التركيز على الدولة البوليسية واستهداف وضرب المهنية والكفاءة لصالح الاعتبار الأمني.
وبنفس المقياس استهدف الديمقراطيون واليساريون والتقدميون طوال عقود.
تلك منتجات ومفرزات التيار المحافظ والذي لا يمكن إنكار دوره بطبيعة الحال في بناء مؤسسات الدولة وهيكلها البيروقراطي الذي يتهاوى اليوم.
وهي منتجات مسجلة باسم المحافظين وسبقت ولادة أي تيار مدني أو ديمقراطي أو ليبرالي في الحالة الأردنية.
وبالتالي يمكن الاستنتاج ومع وجود عشرات الملاحظات على الليبراليين وغيرهم من مدعي الليبرالية والاصلاح بان المشكلات التي تعيشها اجهزة الدولة الأردنية اليوم يسال عنها الجميع وبدون استثناء بما في ذلك دعاة اللبرالية الحداثيون ورموز الحرس القديم
الجميع مسؤول وبنفس المسطرة وعندما يتعلق الأمر بغياب المصداقية في العلاقة بين الدولة والناس أو بالشللية أو المحاصصة المنهجية البغيضة أو بتراكم مشكلات نظام الخدمات والقطاع العام والتراجع الاقتصادي لا يمكن ربط الاخفاق بمحافظ أو ليبرالي فالجميع أخفق وعلى الدولة أن تبدأ المعالجة من نقطة مرجعية تعترف بهذا الاخفاق.
لست متحمسا لذلك التنابز بالألقاب الذي يطفو على سطح النخبة الأردنية هذه الايام ما بين ليبرالي يتهم المحافظ أو حرس قديم يخرج لسانه اليوم ساخرا من الدولة التي تراكمت مشكلاتها بسبب ما يسميه البعض بتفرد الليبراليين وحكمهم.
الأجدى والأنفع للنظام أولا وللدولة ثانيا وللوطن والمواطن ثالثا هو وقف حالات التلاوم التي لا تفيد ولا تنتج والحد من تلك الاستعراضات البائسة التي تتحدث عن المشكلات دون تقديم اي حل حقيقي لها بعيدا عن اطار الفرد والشخصانية والشللية. الأهم هو أن الوطن اليوم بحاجة للجميع وأبناء الدولة ينبغي لهم التخلص من تلك المساجلات المناكفة بصرف النظر عن انتماءاتهم الفكرية ومذاهبهم التياراتية. الايجابية مطلوبة من المحافظ قبل الليبرالي أو اليساري أو حتى الاسلامي والتلاوم والتنابز لغة العاجز فقط.