الأردن بين «فبركة» أزمة أمنية وكلفة «معالجة بدون احتكاك»… «استدراج» وهوس «تواصلي» وفيديوهات تبث القلق
مجموعات «واتساب» جديدة تتصاعد والمجتمع «ليس مثالياً»
لا يوجد مبرر فعلي للهلع والمبالغة في القلق.. هذا ما يحاول كبار المسؤولين الأمنيين والسياسيين في الأردن قوله للرأي العام، لكنهم «يفشلون» حتى اللحظة بسبب «الهوس التواصلي» الذي دخل فيه المجتمع.
سلسلة من أشرطة الفيديو المصورة التي التقطها فضوليون أقلقت الجميع الأسبوع الماضي، ووضعت حتى بعض المؤسسات الأمنية في مستوى البحث عن معادلة بعنوان «الخروج من أزمة بدون احتكاك».
تحدثت تلك الفيديوهات عن مشكلات الشارع، وفتيات الليل، وعن مؤشرات لحادث فردي بين عناصر أمنية في الميدان، وعن جريمة ترتكب علناً أمام الكاميرا بالقرب من أحد الأندية الليلية.
بعد بث هذه الأشرطة، بدا أن المناخ مرتبك جداً حتى وسط النخبة السياسية، حتى أن وزيراً سابقاً للمالية لا علاقة له أصلاً بكل الملف، من وزن عمر ملحس، يشتبك مع المسألة ويصدر فتواه المثيرة عن شرائح زبائن ورواد وأصحاب الأندية الذين «مش قادر حدا عليهم».
كانت ملاحظة ملحس، على الأرجح، منطلقة من خبرة ذاتية أو إزعاج مناطقي محتمل بجواره. لكنها، وتحت وطأة القلق التواصلي، تحولت إلى مؤشر على وجود «شبكة» ترفيه سياحي قوية جداً لا أحد يعلم عنها. وبعد ملحس بدأ الجميع يشكك ويفتي ويزيد ويعيد.
الأكثر حساسية حصل فيما بعد: مسؤولون أمنيون يفترض أن لا علاقة لهم بالإعلام يستدرجون إلى «مجموعات تواصل» إلكتروني أقامتها مواقع إلكترونية، فيدخل المربع الأمني برمته في براثن الرغبة في الشرح والتوضيح وأحياناً الدفاع عن الذات.
في أثناء مثل هذا الاستدراج التواصلي، تظهر تصريحات «أمنية» مثيرة جداً للجدل ما بين تصريح منقول عن محافظ عمان سعد شهاب، يتحدث عن وجود 23 نادياً ليلياً مرخصاً فقط، ونحو أكثر من 100 أخرى حسب لجنة تدقيق، وبين تعليق عبر مجموعات «واتساب» غير المفلترة لأحد مديري البحث الجنائي يتحدث فيه عن صلابة الأمن العام و«المجتمع الذي لم يعد مثالياً».
كانت عملياً فوضى عارمة، ومعلومة المحافظ المخضرم الذي يقوم بعمل ضخم جداً في إدارة عاصمة تضاعف عدد سكانها ثلاث مرات، تم تداولها كرواية مثيرة بدون تدقيق وبصورة منقوصة.
لاحقاً، استدعت صحافة الإثارة ملامح «غير مقصودة» في تعليقات تحاول شرح حجم العمل الاستثنائي لفرع البحث الجنائي الذي وجد نفسه مضطراً للتوضيح والشرح، وأحياناً الدفاع عن منجزه أمام أسئلة بالجملة تراكمت عبر التواصل الاجتماعي، مع أن رجال البحث الجنائي تحديداً يقومون بجهد استثنائي جداً ويعملون وسط بيئات اجتماعية معقدة، وبإمكانات قليلة في مدينة يقول مثقفوها إنها أصبحت «كوزموبوليتيك» مثل العاصمة عمان.
لا تستطيع استدراجات التواصل ومجموعاته الإعلامية ممارسة النقل بحرفية أو مهنية، وتحصل الإثارة أكثر وتتوسع الشائعات كلما قرر وزير أو مسؤول الانضمام إلى حفلة تواصل في ملف ما، فتفلت العبارة وتضيق المعلومة ويتشوه التصريح في «كمين تواصلي» من الواضح أن عدداً كبيراً من الوزراء تورطوا فيه أيضاً، وبدأ يغري حتى بعض عناصر الوظيفة الأمنية التي ينبغي أن تعمل وتنجز خلف الستارة فقط. هذا النمط من الاستدراج يطفو على السطح الآن، والسلطات لا تنتبه لخطورته المهنية؛ لأنه يساهم في تغذية الهوس السلبي التواصلي إذا مورس بدون قواعد مهنية متفق عليها وسط حالة الشطط الأهلي بالتواصل أصلاً، التي يشكو منها الجميع.
المشاهد، على هذا الأساس، كانت «مؤذية» وقد توحي ضمنياً بأزمة أمنية قيد الفبركة، وقوامها: فتاة برداء أسود قصير يتعامل معها العقل الجماعي على أساس أنها فتاة ليل، وهي تصفع سيدة وابنها، ثم رصاص يتطاير من ضابط أمني احتك بالصدفة بدورية بحث جنائي، ولاحقاً «بلطجي» معروف يطلق الرصاص على رِجلي شخص أمام الكاميرا ويعمل سكيناً في وجهه، ثم تظهر صورته جالساً مع زجاجة مياه في مركز للشرطة.
هذه مشاهد تسحب الرصيد الشعبي من الثقة بالأمن، رغم أن مديرية الأمن العام تحديداً مسؤولة عن الأمن الاجتماعي ويقوم رجالها بجهد جبار في ظرف استثنائي في مدينة أصبح زوارها والمقيمون فيها من الغرباء أكبر حجماً من أن لا تأخذهم الحسابات الأمنية في الصورة.
مثل تلك المشكلات المصورة تحدث في كل مدن العالم، وكانت طوال الوقت تحصل في عمان.. يعرف الجميع هذه الحقيقة، لكن الفارق اليوم اختصره سياسي مخضرم من وزن الدكتور ممدوح العبادي وهو يقول إن الفائض لا علاقة له بزيادة غير طبيعية في معدل الانحرافات الأمنية، بل بوجود هوس اجتماعي وتراكم تداول أي معلومة أو صورة حتى بدون تدقيق.
ما يلمح إليه العبادي هو الفارق ما بين أحداث مماثلة كانت تحصل في عمان طوال عقود في الماضي وتحدث الآن مصورة ببساطة، لأن أصغر أردني يمتلك جهازاً خلوياً، وشغف تصوير، وهوس تداول.