الأردن: تهامس «خافت» في البرلمان يعترض على «إدارة الجلسات» أحياناً وتكاثر «الصفقات» التشريعية مع الأعيان والحكومة
تزيد في أوساط البرلمان الأردني رقعة الملاحظات النقدية على طبيعة وأهداف إدارة الجلسات الرقابية والتشريعية بموجب ترتيبات، وأحياناً صفقات وتفاهمات، لا تجري ولا تنجز إلا عبر رئاسة مجلس النواب وفي الأروقة بعيداً عن القبة.
حصل ذلك مرات عدة عندما اتجه رئيس مجلس النواب، عاطف الطراونة، إلى اجتماعات تشاورية تخدم بعض التشريعات أو تصل إلى تسويات مع بعضها الآخر تجنباً لصدام بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، أو حتى تجنباً لخلاف تشريعي مع مجلس النواب .
تزيد هذه الآلية، التي يعتمد عليها المكتب الدائم لمجلس النواب بين الحين والآخر، نفوذاً تحت عنوان يترسم باسم استعادة هيبة المؤسسة التشريعية.
وتزيد بالمقابل الاحتقانات السياسية عند لاعبين كثر من أعضاء المجلس لا تعجبهم هذه الطريقة في إدارة الأمور، لكنهم ليسوا بالتكاثف العددي القادر على إعادة إنتاجها وتغيير شكل وهوية ما يجري في المجلس. هذا النمط من الإدارة التشريعية يميل إلى تسويات مع الحكومة والأعيان في القوانين المهمة، وقد برزت عندما تعلق الأمر بقانون الضريبة أو بقانون العفو العام.
وقال أعضاء في البرلمان بأنهم فوجئوا أحياناً بالمكتب الدائم أو برئيس المجلس الطراونة يشتبك مع التفاصيل والنقاش عبر الجلسات الميدانية ويعيد إنتاج بعضها بالتوافق مرة مع رئيس مجلس الأعيان تجنباً لخلاف تشريعي، ومرة مع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز أو مع نائبه الدكتور رجائي المعشر.
لا يروق هذا الأسلوب للعديد من أعضاء المجلس بمن فيهم أعضاء في اللجنة القانونية وفي كتلة الإصلاح البرلمانية، لكن المعترضين ومن لا يعجبهم الأمر لا يشكلون نواة صلبة يمكنها التأثير في المجريات وإجبار رئيس المجلس على تغيير هذه النمطية، وإن كان الطراونة يعتبرها ممارسة قانونية ونظامية ضمن متطلبات النظام الداخلي والدور الشرعي للمكتب الدائم ولمؤسسة رئاسة النواب.
الطراونة تحدث لـ «القدس العربي» مرات عدة عن ضرورة الانتقال في الأداء من العشوائية والارتجال والخطابة إلى السياق المؤسسي في العمل البرلماني. وأشار إلى أن هذه المؤسسية تزعج البعض ولا تعجب البعض الآخر، لكن هيبة مجلس النواب تتطلبها، وكذلك عمليتا التشريع والرقابة، مؤكداً إلى أن رئاسة المجلس تمثل إرادة النواب، ودورها التنظيمي يتقبل الملاحظات ما دام الفيصل هو النظام الداخلي في السياق القانوني وليس الاجتهاد أو الرأي الشخصي ومن أي طرف. بكل حال، يبدو أن ملاحظات الجبهة التي تحاول انتقاد أداء رئاسة المجلس في إدارة الجلسات تحديداً تتحدث عن تدخل في عمل اللجان وتسريع في التصويت على نصوص بعض القوانين بين الحين والآخر لأغراض تسويات أكثر عمقاً وشمولية مع مراكز القوى خارج قبة البرلمان. ويتحدث قلة من النواب أيضاً عن بطء تدخل مؤسسة المجلس في الدفاع عن هيبة وسمعة الأعضاء أو في الحد من ومراجعة أخطاء بعض الأعضاء الفردية خارج النظام التشريعي، والتي تؤدي إلى تشويه سمعة مؤسسة المجلس، خصوصاً مع تعطيل آليات المراجعة والتقييم ومراقبة السلوك. وثمة حديث أيضاً عن مجاملات لنواب دون آخرين وتضييق هوامش المداخلة أمام البعض. والأهم، يتحدث نواب ومعارضون وحراكيون في الخارج عن مخالفات حصلت في مسألتي العد لأصوات والتصويت بصيغة قد تؤدي إلى إضعاف بعض القوانين أو التشكيك في دستوريتها وبدون مبرر أو حاجة.
ويبدو أن مثل هذه النقاشات التي تلاحظ على أداء رئاسة المجلس وترتيبات المكتب الدائم داخل اللجان وخارجها لم تراكم أو تتكتل بعد لكي تحاول الحد من هذه النمطية في الأداء رغم أنها تكثر من الانتقاد في الوقت الذي يسجل فيه الطراونة أهدافاً من الصعب إنكارها بين الحين والآخر لصالح استعادة المبادرة والعمل من أجل استعادة هيبة سلطة التشريع، كما حصل مع قانون العفو العام.
وفي الوقت الذي أصبح فيه الطراونة الرجل الأقوى في البرلمان، يتوقع الخبراء بأن يثير مثل هذا الوضع حساسيات محددة في اتجاهات عدة، لأن القدرة على ضبط الكثير من الجلسات، خصوصاً الرقابية، تتطلب حزماً وصلابة وموجودية ستؤدي بالنتيجة إلى إغضاب بعض الأفراد من أعضاء المجلس. ومن بين الأسباب التي تثير مثل هذا النقاش بطبيعة الحال ندرة الترتيب الكتلوي وهشاشة الكتل الموجودة التي تخلو من البرامج المتعلقة بصفة الديمومة والإنتاجية. ومن الطبيعي أن يستمر مثل هذا النمط من الجدل ما دام مجلس النواب يبحث عن مكانه وسط التجاذبات الحادة بين مراكز القوى عند كل السلطات وفي وسط حمأة الحراك والاعتراض الشعبي.