الأردن: جدل حول علاقة تقاعد الجنرالات بمتطلبات المرحلة إقليميا
ما الذي يعنيه احتفاء منصات تواصل إلكترونية محسوبة على الحراك الشعبي ومتنوعة بالخبر المعلن الذي يتحدث عن «إحالة» أحد ضباط الأمن البارزين على التقاعد في الأردن بعد ترفيعه إلى رتبة لواء؟
تلك أيضاً «سابقة» تحتاج إلى وقفة تأمل عميقة على مستوى القرار.
يحال الجنرالات والضباط بالمئات على التقاعد سنوياً في بلد كالأردن بعد القيام بواجباتهم وبدون ضجيج إلكتروني يفرط بالاستحسان أو يبالغ في الاستياء وبصرف النظر عن طريقتهم في العمل وتحالفاتهم في أثنائه أو خصوماتهم.
رئيس النواب «شهيد سياسي» محتمل ومقاولات الانتخابات تحت المجهر الأمريكي
لم يحصل في السابق أن تسلطت أضواء الإعلام المجتمعي على حالة فردية أكثر مما ينبغي، مما يدلل سياسياً ووطنياً على أن «حساسية» المجتمع أولاً وصلت إلى مستويات غير مسبوقة من المراقبة والمتابعة وأحياناً الاسترسال في الدراما.
وثانياً، على أن الشارع بدأ فعلاً مرحلة «التدخل في كل التفاصيل» بعد أن ظهر موظفون أكثر مما ينبغي في نطاق تحالفات المجتمع. هنا ما حصل من نشر تغريدات بالجملة تتداول الخبر أو تعلق عليه بخصوص عميد في الركن الأمني اسمه أسامة الطحان تقرر إحالته على التقاعد برفقة جنرالين آخرين.
بحكم مسؤوليات المتقاعدين السابقة، اندلعت كل أصناف النكايات السياسية والبيروقراطية مع أن المؤسسة الأمنية عموماً مزدحمة بالكفاءات المهنية ولا يمكنها جزئياً أو كلياً أن تقاد بسبب أسماء أو أفراد.
خيارات الأردن في العادة بعد تقاعد جنرال تنحصر في عودته إلى موقع آخر أو جلوسه مثل أقرانه في منزله. ما يستوجب وقفة تقرأ المشهد هو واقعة تشير إلى أن الأضواء تسلطت على القرار المشار إليه بصيغة تدلل على حساسية «الشأن الداخلي» اليوم، مع أن المؤسسات الأمنية تتحمل العبء الأكبر داخلياً الناتج عن كل أصناف الإحباطات التي يصنعها الساسة في الداخل والخارج.
بعد عودة الملك عبد الله الثاني مباشرة من واشنطن، تبرز هذه الخطوة الفردية، والتي سيعقبها لاحقاً وفي الهيكل الأمني وغيره على الأرجح، إحالات أخرى على التقاعد قد تشمل مفاتيح ومفاصل «أطقم» متعددة وفي كل المؤسسات.
يهمس الخبراء من داخل الدولة بتسريبات عن بروز ملح للحاجة إلى «أدوات مختلفة» تتعامل مع المرحلة اللاحقة، خصوصاً عند المفصل الذي يربط عملياً أي ترتيب داخلي نخبوي أو برامجي بتفاهمات الإقليم. وتطل برأسها تلك النظرية التي تقول بأن زيارة الملك الأخيرة المهمة لواشنطن دفعت الصورة لموقع أوضح في رهانات استراتيجية الاشتباك الأردني مع تفاصيل مقبلة تحدد ملامح الإقليم والمنطقة وليس فقط «الدور الأردني».
بعيداً عن أسرار وخفايا وأجندة وتقديرات ما سمعته القيادة الأردنية مباشرة من طاقم الإدارة الأمريكية بأهم رموزه ووجهاً لوجه وبدون «فلاتر عمان»، المرافقين بالعادة من مستشارين ومسؤولين سياسيين أو أمنيين، يمكن القول إن اللحظة التي يشتبك فيها «الاستشعار الخارجي»، وتحديداً الأمريكي مع ترتيبات داخلية، ستعني في المحصلة حسم الكثير من الملفات داخلياً.
والتفاصيل هنا لم تعد سراً في الحالة المحلية، فمغادرة مسؤول أمني نافذ متخصص بالشأن الداخلي وأشرف سابقاً على مجمل البناء الحالي قد تعني منطقياً وبصرف النظر عن الأشخاص الاستعداد لـ «هيكل جديد».
وبعد قراءة التفاصيل قد تتعزز فرصة الدكتور عمر الرزاز بالبقاء لفترة إضافية والتعديل الوزاري الموسع. وقد تبدأ ورشة عمل تأهيلية خاصة لبناء تجربة لبرلمان جديد يخلو من «مقاولين طارئين ومحدثي نعمة» ومراهقين يتم تحويلهم إلى رموز وطن ويحتكرون المشهد.
ويعيد قدر من التمثيل الأفضل والأكثر فعالية للناس على أساس اجتماعي ووطني وليس على أساس «الولاء الضار» المكلف للخزينة والدولة والحلفاء. ثمة من يتكهن بأن تحقيقات «التبغ والسجائر» في طريقها للتوسع وملفات «بلدية العاصمة والضريبة والجمارك» ستفتح قريباً وعلى أساس ما تشترطه واشنطن اليوم من «رفع منسوب الفعالية استعداداً للتحول المهم الذي ستشهده المنطقة».
يبدو أن رفع منسوب فعالية الأداء العام والتغيير الإصلاحي والاستعداد للتحول الإقليمي المقبل كانت ملفات على مائدة الحوار مع لاعبي واشنطن.
الاحتمال وارد جداً بأن يبرز وجه جديد لرئاسة البرلمان بدلاً من المخضرم والنافذ عاطف طراونة، الذي يقرأ بدوره ما بين الأسطر ويستعد جيداً لخطوة الانسحاب بالعزف المطول على وتر «محور الممانعة ومعارضة التطبيع»، تمهيداً للتحول إلى «شهيد سياسي» محتمل.
في المقابل قد تحتاج نظرية «رحيل وشيك وخلال عام للثلاثي ترامب وبن سلمان ونتنياهو» إلى «مراجعة صريحة» داخل القرار، لأن ثمن المجازفة هنا كبير جداً، وأصحاب مثل هذه القراءة وهم أساسيون في طاقم الإدارة العليا اليوم انشغلوا بـ «مقاربة» قد لا تعود واقعية وفيها ما هو أقرب لـ «المقامرة».
مغادرة رجل أمن لم تكن في الماضي بهذه الحساسية والأهمية بالنسبة للأردنيين. لكن تبديل «طاقم متحرك وديناميكي» بالغ في الاجتهاد على المسار «الداخلي» وخاصم الأغلبية وخدم أجندة الدولة وسط شارع «جائع» ومهووس بالمعارضة والمناكفة، وأحياناً الابتزاز، والتذمر يصبح «خبراً عاجلاً» ومهماً له دلالات أعمق، خصوصاً على منصات التواصل التي تبحث عن أي إثارة وفي أي وقت.
الأهم هو الحاجة إلى قراءة تلك الاحتفالية الإلكترونية ومراجعة المعادلة التي تضع «صلاحيات» عملاقة في يد موظف واحد فقط بصرف النظر عن موقعه وحرفيته.