الأردن: حكومات «الظل» «باقية» بالرغم من تجاذبات «الولاية العامة» ورسائل سياسية للداخل والخارج
التعاطي مع الخبر الجديد المتضمن الإعلان عن إدارة جديدة في الديوان الملكي الأردني باسم «التخطيط والإجراءات» يمكن قراءته من زاوية التمسك بتجربة تمديد مساحة خلايا الظل في مواجهة استعصاء التقصير الحكومي.
لكن يمكن أيضاً قراءته بعيداً عن التخندق السياسي باعتباره خطوة تنظيمية في سياق تنشيط وتفعيل آليات التنسيق بين جميع المؤسسات في خريطة الإدارة العليا بعدما اهتم الملك عبد الله الثاني شخصياً، ومرات عدة ، بالتأكيد على أهمية العمل المؤسسي الجماعي. الحديث في بعض أروقة السفراء الأجانب ومؤسسات صندوق النقد الدولي عن ضرورة الانتقال إلى تخفيض دور مؤسسات الظل يمكن أن يؤدي إلى استنتاجات مغلوطة في قراءة الهدف الإداري الأعمق من الإعلان عن هيكلة إدارة جديدة باسم التخطيط والإجراءات تتبع رئاسة الديوان الملكي.
إدارة جديدة في الديوان الملكي باسم «التخطيط والإجراءات»
سياسياً وبعيداً عن الإطار التقني والفني، تلك رسالة مرجعية يقول فيها مركز القرار بأن الأردن وحده من يقرر متى وكيف وأين يتم تهميش حكومات الظل لصالح السلطة التنفيذية أو العكس. فليس سراً في السياق أن النقاش حول مبدأ تمكين وصدارة الحكومة واستعادة فلسفة الولاية العامة بقي صامداً في كل مراحل ومستويات التدقيق والتشخيص في أمراض الحالة الإدارية العليا في الأردن. وليس سراً أيضاً أن الوزراء العاملين في الحكومات يشتكون بين الحين والآخر من الصدام المحتمل مع نفوذ شخصيات حددت لها أدواراً وظيفية في مؤسسات القرار الموازية.
ويعـرف الجمـيع بأن تجـربة حكـومات الظل التي تعمل خلف الستارة وبدون ضغوط البرلماـن والإعـلام وحراك الشـارع تعبـير عن الرغبة في الإنجاز والتقدم وعدم الاستسـلام إدارياً لضـعف وتقـصير الأطـقم الوزارية. لكن المأزق تمثل في أن خـلايا الـظل أصبحت حجة عند أطياف المعارضة وحـراك الشارع وعند بعض رؤساء الوزارات لتـبرير عدم الاستقلالية والتبـاطؤ، وأصبـحت أيضاً بالمقابل ذريعة يطرحـها الحـراكيون والمعارضون وهـم يتمسكون بمـبادئ الولاية العامة أو يمارسون الاسـتعراض النقـدي.
الانطباع خلف ستارة القرار العميق يؤشر على أن خلايا العمل الاستشارية في الظل لم تكن لتولد أو توجد لو قامت الحكومات وأدواتها بواجبها الطبيعي، الأمر الذي يبرر الإعلان عن إدارة جديدة في الديوان الملكي يفترض أن تلعب دوراً مزدوجاً يشبه دور وزارة التخطيط والأمانة العامة لرئاسة الوزراء، لكن على أن يجري العمل داخل مقر الديوان الملكي.
هذه الإدارة أنيطت بمستشار شاب وخاص في الديوان لا يعرف الأردنيون عنه الكثير، إلا أن له تجربة خاصة في العمل بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو كمال الناصر، أحد اللاعبين الجدد بين المتزاحمين على النفوذ في أروقة المؤسسات السيادية. لافت جداً للنظر أن الناصر وطاقمه سيحظيان بفرصة العمل المستقل وسيديران بعض الملفات في الوقت الذي اعتبر فيه وزير بارز في الحكومة الحالية وأمام «القدس العربي» وبحضور أحد أقطاب البرلمان، أن تقصير الحكومة في التعاطي مع ملف العاطلين عن العمل هو الذي انتهى بأن يتقدم رئيس ديوان الملك الوزير يوسف العيسوي لمبادرة التفاعل مع تداعيات الملف.
في كل حال، فتح قناة جديدة في ظل القرار مؤشر حيوي على بقاء واستمرارية تجربة خلايا وقوى الظل، وبصورة تعكس بأن الرهان ليس كبيراً على وزراء لا يعرف الجميع كيف يتم اختيارهم ولا متى أو لماذا يغادرون الحكومة. والأهم أن هذه الخطوة الإدارية التنظيمية التي تعزز تجربة الظل تحضر للواجهة من حيث التوقيت في الإطار الزمني الذي تدعو فيه عدة أطراف في الداخل والخارج لتمكين حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز أو للانتقال إلى مستوى حكومة الولاية العامة، وهو مبدأ- بكل الأحوال – لا ينازع عليه الرزاز ولا يصارع حتى اللحظة على الأقل من أجله. وثمة دعوات في زوايا المشهد لإعادة النظر في دور مؤسسات وخلايا الظل باعتبارها غير مسؤولة أمام البرلمان دستورياً مثل الجسم الوزاري.
وثمة همسات هنا أو هناك تتحدث عن تخفيض عدد المستشارين والعاملين في مؤسسات الديوان الملكي، في الوقت الذي تدفع فيه الدولة في بعض الأحيان كلفة وثمن الاجتهادات الشخصية والفردية، وأحياناً الانحيازات الشللية، لبعض الموظفين والعاملين في أقرب نقاط التماس مع مركز القرار.
بمعنى آخر، الفرصة متاحة لإبلاغ المحتجين في الداخل والذين يحاولون التدخل من الخارج بأن التقديرات المرجعية لا تزال مؤمنة بأن الظرف الموضوعي الداخلي والإقليمي والدولي لم ينضج بعد حتى يعود مبدأ الولاية العامة بقوة للاستحكام في آلية صناعة القرار. ذلك بكل حال خيار سيادي يمارسه العمق الأردني ضمن حسابات المواقف والمواقع والمصالح. وهو خيار يمكن، في حال افتراض سوء النية، التحدث عنه بصورة سلبية تتضمن تهميش دور الحكومة.
أما في حالة افتراض حسن النوايا وبعيداً عن مناخات المناكفة، فيمكن اعتبار الإبقاء على قوى الظل جزءاً من برنامج رشيد ينطلق من القناعة بأن الحاجة ملحة لخلايا الظل الاستشارية إلى أن تتهيأ الظروف لولادة حكومة أغلبية برلمانية منتخبة.