الأردن: حكومة الرزاز «مرهقة جداً»… حرب «تسريب» وثائق من داخل المؤسسات تلهب تجاذبات الشارع
تشهد الساحة السياسية الأردنية المزيد من انفلات الملفات والتفاصيل وبصورة متتابعة ودراماتيكية بدأت تتسبب بحجم كبير من الإرهاق لحكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز، في الوقت الذي توسعت فيه ظاهرتان في غاية الحساسية.
الظاهرة الأولى مرتبطة بدخول بقاء الحكومة في مزاج التغيير والتبديل، حيث تعج منصات التواصل بصنفين من الأخبار، يتحدث الأول عن انتهاء وشيك لتجربة الرزاز وحكومته، ويميل الثاني إلى استعراض أسماء بديلة. ومثل هذا المناخ بالعادة في الأردن، وعندما يشتد وتصبح مشكلات الواقع أكثر تعقيداً يحظى برعاية باطنية من نخب ومراكز قوى داخل الدولة وخارجها، الأمر الذي ينتهي بالعادة باقتراب سيناريو التغيير الوزاري، خصوصاً عندما يتوقف الجسم المركزي والرئيسي في الدولة عن هضم الحكومة وبرامجها بالتزامن مع رفع الغطاء الشعبي عنها والتحرش بها سياسياً وإعلامياً.
بالتوازي مع تكهنات «تغيير وزاري»… وسائل «التواصل الاجتماعي» تقود
والظاهرة الثانية تلك المتعلقة بنشاط تسريب الوثائق، حيث يتبين للجميع هنا أن بعض قرارات ومذكرات وثائق الحكومة الداخلية يتم تسريبها بالجملة، وتتصدر في منصات التواصل الاجتماعي، وتتحول- مهما كانت بسيطة وصغيرة – إلى قضايا رأي عام سرعان ما تبدل أو تؤخر أو تغير في قرار سياسي وبيروقراطي. وحتى الآن لا يمكن تحديد الأشخاص من داخل الصف الحكومي وأحياناً الرسمي، المسترسلون في تسريب وثائق تتضمن قرارات وتعيينات بقصد إثارة الجدل وسط شارع شعبي دخل في مزاج حاد أصلاً ويتحفز للانقضاض على أي خطأ في القرارات.
بوضوح، لا تبذل الجهات السيادية وبعض المستويات في القرار والدولة جهداً ملموساً للحد من ظاهرة تسريب الوثائق الرسمية عبر منصات التواصل، فتلك الأوراق التي تتضمن قرارات وتعيينات وتغطيات مالية وتحظى بمصادقة أو توقيع كبار المسؤولين وعلى رأسهم الرزاز نفسه أصبحت اليوم المادة الأساسية التي تغذي التجاذب والجدل والاعتراض في عمق الأوساط الشعبية.
هنا تحديداً لا يبدو الرزاز محدوداً، فلا يمر أسبوع منذ أكثر من ثلاثة أشهر إلا ويتم تسريب كتب ومذكرات رسمية صادرة عنه وبصورة تضيف إلى تراث الإحباط العام وتصطاد ما يثير مشاعر الشارع وما ينتج المزيد من الجدل السلبي. بدأ الأمر قبل نحو شهرين ونصف الشهر بتسريب مذكرات تعيين أربعة من أشقاء النواب. ولاحقاً، سربت وثائق موقعة من رئيس الوزراء ولها علاقة ببلدية العاصمة عمان وتضمنت دفع أموال من الخزينة لتغطية احتفالات من النوع الذي يمكن الاستغناء عنه بمناسبات وطنية.
ثم طرحت قضية المبالغ التي دفعتها البلدية لنجمات استعراض وفنانات عربيات قبل أن تدلل وثيقة مزعومة على أن الرزاز وافق على تخصيص مبلغ مالي كبير لتظاهرة سيارات احتفالية بمناسبة عيد الجلوس الملكي. وفي الأثناء، تسربت أيضاً وثائق لها علاقة بقرارات إدارية عادية اتخذت في المؤسسة العسكرية، وأخرى لها علاقة بتعيينات على المشاريع في وزارة العدل.
تسريب الوثائق حرب حقيقية وجديدة تماماً على رؤساء الحكومات، ويُقصف الرزاز تحديداً بصفة يومية بهذا التسريب، الذي لا يترك قرار صغير أو كبير إلا ويطاله وبصورة تقلق راحة الحكومة وتدفعها للتأهب والاستنفار في كل الأحوال. وعندما تعلق الأمر بتعيينات لوزارة العدل اضطر الرزاز وتحت الضغط الشعبي لإلغاء هذه التعيينات، وبدا الأمر عموماً يؤشر على أن الفلاتر البيروقراطية داخل طاقم الرزاز لا تعمل، وبأن الوثائق تسرب من مكاتبه رغم أن غالبيتها يتضمن قرارات إدارية وقانونية، لكنها بكل حال من الصنف الذي يثير الجدل والمشاعر. وتلك الفلاتر يعمل بعضها بوضوح في الاتجاه نحو تقليص فرصة حكومة الرزاز في البقاء.
وقد اضطر الرجل، أمس الاثنين، لزيارة ديوان الخدمة المدنية وتجميد كل التعيينات، في الوقت الذي يتحدث مقربون جداً منه عن مواجهة حقيقية بعنوان تسريب الوثائق والقرارات التي سرعان ما يتداولها الهوس الإلكتروني والتواصلي على أوسع نطاق ممكن، حتى باتت منصات التواصل هي التي تحكم الإيقاع العام وتقود الجميع بدون تدقيق وتمحيص، وبصورة تضعف السلطة ومؤسساتها، كما يلاحظ عضو البرلمان المخضرم خليل عطية.
عطية وآخرون، وعبر «القدس العربي» وغيرها، طالبوا الجميع بالتعقل ووضع آليات لضبط الإيقاع. لكن حرب تسريب الأوراق تستهدف فرصة الرزاز بالبقاء والاستمرار بوضوح، خصوصاً وأن حكومته خرجت للتو من صفعتين في إطار شعبي لا يمكن تجاهلهما، حيث تدحرج ملف العاطلين عن العمل من الأطراف والمحافظات وبصيغة دفعت مؤسسة الديوان الملكي للتدخل والتصرف. وحيث السيول والعاصفة المطرية الأخيرة، حيث غرق وسط مدينة عمان وخسائر بالملايين للتجار، في الوقت الذي غاص فيه الرزاز داخل سيول أمطار في محاولة للاستدراك والترقيع.
لافت جداً في كل هذه السياقات التأزيمية تزامنها مع تسريبات وتكهنات قوية ومن النوع الذي يتم تسمينه في الأروقة بالعادة بعنوان رحيل وشيك ومحتمل لرئيس وزراء التيار المدني.