الأردن: صراخ بين المواطنين ووفد حكومي في معان وإضراب عن الطعام قرب الديوان الملكي بحثا عن الوظائف
تبدو الصور المبثوثة، ظهر أمس الأربعاء، لمشاجرة على شكل حوار بين بعض أهالي مدينة معان جنوب الأردن ووفد حكومي، نسخةً مكررة عن حوارات الحكومة القديمة مع الأطراف والمحافظات تحت بند قانون الضريبة العامة.
مرة أخرى يشاهد الأردني المشهد نفسه، حيث وفد يمثل الحكومة حضر بنية عرض فرص عمل متاحة أمام متعطلين عن العمل في المحافظة الجنوبية. بسرعة وببساطة، وقبل جلوس أعضاء الوفد الحكومي على مقاعد اللقاء، حصل انفعال في المكان وشتمت الحكومة مجدداً، واحتج نحو خمسين شخصاً مطالبين بطرد الوفد ورحيله، في الوقت الذي يشتعل فيه المزاج العام بجدل التعيينات والمتعطلين عن العمل.
وجهاً لوجه أمام الاختبار الأهم: كيف نتخلص من «الرعوية» لصالح «دولة إنتاج»؟
بدأ أحدهم في الصراخ على وفد الحكومة مطالباً إياه بالذهاب إلى أبناء مدينة معان المعتصمين منذ 13 يوماً بالقرب من الديوان الملكي في العاصمة عمان بحثاً عن وظائف قبل لجوئهم للتصعيد أمس بالخطوة التالية، وتتمثل في الإعلان عن إضراب عن الطعام نادر جداً وقد يكون الأول من نوعه بجانب أحد أسوار الديوان الملكي. ولا تبذل العديد من المؤسسات دوراً ملموساً في إنجاح خطة الحكومة الخاصة باحتواء ملف الباحثين عن وظائف.
ولا تستطيع إدارة الديوان الملكي، بحكم الواقع الموضوعي، التفرغ لتدبير وظائف للقادمين مشياً على الأقدام أو المعتصمين، وهم يزحفون إلى مكاتب القصر وسط العاصمة عمان . في أقرب مسافة من رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز ورئيس الديوان الملكي يوسف العيسوي، ثمة توافق على ملاحظة سلبية من الصعب إخراجها من السياق، فعدد لا يستهان به من المعتصمين بحثاً عن وظيفة لا يريدون وظيفة في القطاع الخاص.
تقارير اللجان المعنية بالمتابعة تؤشر على ثلاثة اتجاهات في التوظيف برزت أكثر من غيرها عند الاحتكاك مع المتعطلين عن عمل، حيث رغبات مباشرة في الحصول على وظيفة بواحدة فقط من شركتين على الأقل من كبريات الشركات في مناطق الجنوب، وهما الفوسفات والبوتاس. عندما يتعلق الأمر بالبحث عن وظيفة في القطاع العام يفضل غالبية المعتصمين وظائف في المجالس البلدية.
وعندما تشكلت لجان من القوات المسلحة والأجهزة الأمنية لتجنيد بعض العاطلين عن العمل من الشباب فوجئ المسئولون بأن مهناً محددة إدارية وليست عسكرية هي المطلوبة، وبأن التوظيف في القطاع الخاص تحديداً غير مرغوب فيه.
مثل هذه الاشتراطات في تفصيل الوظائف المطلوبة لا يمكن الالتزام بها في الواقع، وشعور الحكومة يتزايد بأن الابتزاز هو الهدف قبل أي شيء آخر، في الوقت الذي تكشف فيه اعتصامات المتعطلين عن العمل عن أزمة معيشية حادة خصوصاً في المحافظات والأطراف.
قد تبدو ملاحظات واستنتاجات اللجان الحكومية هنا ظالمة أو متجنية، لكن المعروف منذ انطلقت مسيرة البطالة الأولى من مدينة العقبةأان المطلوب يتجاوز وظائف عادية في القطاع العام والخاص، بقدر ما هو مطلوب من وظائف بدخل وراتب أفضل، وفي بعض الأحيان بدون دوام حقيقي.
بكل حال، أزمة المتعطلين عن العمل تتواصل، وتجربة الحوار المباشر مع الأهالي أخفقت في مدينة معان، ومشهد أبناء المدينة الباحثين عن وظائف وهم يناشدون الملك بالقرب من أسوار الديوان الملكي متلحفين الرصيف وسط المطر والبرد بدأ يجلب وسائل الإعلام. ما يحصل في هذا المشهد هو اختبار حقيقي سياسياً لكل الأطراف يتصل بمنهجية التحول من دولة رعوية إلى دولة إنتاج وفقاً للأدبيات التي وردت عدة مرات على لسان الخطاب الملكي وفي قاموس رئيس الوزراء الدكتور الرزاز. ومن الواضح أن حراك المتعطلين عن العمل نمط من صياغات المقاومة للبنية الاجتماعية، خصوصاً بعيداً عن المدن الكبرى لتلك الأفكار والمقترحات المتعلقة بدولة الإنتاج.
وهو نمط يعتمد على قناعة شرائح متعددة في المجتمع بأن تضحية المؤسسة بدولة الرعاية والرعوية مكلف سياسياً واجتماعياً، ويتسبب بالمقاومة العنيدة في تطبيق عملي هذه المرة لنظرية شهيرة تبناها الرجل الثاني حالياً في الحكومة الدكتور رجائي المعشر عام 2001 عندما رفض أي مساس بما سماه مكاسب الأردنيين وحصتهم.
بكل حال، موجة هذا النمط من الاحتجاج والاعتراض إنذار مبكر للدولة وصانع القرار بعنوان كلفة إسقاط السياق الرعوي والتركيز على دولة الإنتاج، خصوصاً وأن فرص التنمية والتعليم بين المحافظات لم تكن عادلة طوال عقود. وتدرك الدوائر المسؤولة اليوم بأن التحول إلى دولة إنتاجية تحت عنوان إعادة الهيكلة أو تكريس الاعتماد على الذات رحلة أطول وأعقد بكثير مما تصوره مغامرون بيروقراطيون أو ساسة ليبراليون.