الأردن: «صوت الملك» و«صمت الحملان»
ما الذي يمكن للأردنيين أن يفعلوه بدلا من الإكثار من الشكوى والتذمر والاسترسال في التشكيك المتبادل وإظهار الشغف بالتسريبات والشائعات والتوقف مطولا عند محطة انتظار ما يقرره الآخرون من أعدائهم وخصومهم بخصوص مستقبلهم؟
العبارة طويلة في هذا السؤال لأن الظروف معقدة وصعبة.
وما تبين لي شخصيا للأسف الشديد بعد جولة بين عناصر تم اقصاؤها وأخرى موجودة من أدوات ورموز طبقة رجال الدولة أن الانتظار والترقب محطة اجبارية للجميع.
والأهم أن كبار الساسة الذين ساهم جميعهم عموما في حالة الاستعصاء الحالية لديهم من جرعات الثقة بالنفس والمعنويات المرتفعة أقل بكثير مما لدى عناصر النادي الرسمي.
تبدو مفارقة مغرقة في الارتياب وتستوجب التوقف والتأمل: الشارع الأردني حيوي وفعال ومستعد للمواجهة والتضحية دفاعا عن الأردن وفلسطين لا بل عن الدولة والنظام وحتى الموقف الملكي العلني أكثر بكثير من رموز الدولة ونخبها.
وأكثر بكثير من أدوات الحكم في الطبقة العليا.
وأكبر بمسافة واضحة من المتشدقين ورموز التسحيج ودعاة الولاء الفارغ والمسموم.
تبدو مفارقة عجيبة فعلا حيث خطاب ملكي يصر على التمسك بالثوابت والمبادئ تجاه قضايا في غاية الأهمية مثل القدس والوطن البديل والتوطين وهوية الأردن يقابله وبصورة عجيبة غياب تام لرموز الدولة الرسمية وتلك التي فرضت لسنوات طويلة على أكتاف الأردنيين.
وهو غياب أشبه بما ورد في رواية «صمت الحملان» ولا يشمل من وصفوا يوما بالديناصورات فقط ولا الغاضبين الحانقين ولا الحراكيين المنزعجين ولا يشمل فقط رموز المعارضة الطارئة بقدر ما يشمل قاعدة أفقية من أدوات الحاضر ورموزه وقياداته حيث لا صوت عمليا في الواقع السياسي إلا صوت الملك شخصيا وصوت الشعب.
لم نرصد بصراحة قائمة عريضة ممن تولوا مناصب عليا لسنوات طويلة بمن فيهم وزراء خارجية وإعلام سابقون في الشارع وبين الناس من باب مساندة القصر الملكي أو من باب المساهمة في توحيد مواقف الشارع أو حتى من باب المشاغلة والعصف الذهني والبحث عن قواسم مشتركة.
لا صوت إطلاقا للحيتان والمقاولين ونخبة «البزنس» المقربين من دولة دفعت الكثير طوال عقود في تسمين وتغذية بعض الرموز وفي تحميلها على أكتاف الشعب.
غياب مريب عن عمق المجتمع أبطاله اليوم قادة تلك الشرائح المتشدقة الذين غمروا الدنيا في ترديد اسطوانات معلبة لها علاقة بالولاء والانتماء مرة ولها علاقة مرات بمشاريع وهمية كاذبة مزيفة اتضح اليوم فقط أنها تضلل القيادة بالقدر ذاته الذي تضلل فيه قواعد المجتمع.
غياب مريب عن عمق المجتمع أبطاله اليوم قادة تلك الشرائح المتشدقة الذين غمروا الدنيا في ترديد اسطوانات معلبة لها علاقة بالولاء والانتماء مرة ولها علاقة مرات بمشاريع وهمية كاذبة مزيفة اتضح اليوم فقط أنها تضلل القيادة بالقدر ذاته الذي تضلل فيه قواعد المجتمع
أين اختفت تلك القطط السمان؟.. أين الطبقة السياسية؟.. أين أصوات البيروقراط؟ وتلك الهامات التي اكتفت طوال عقود بترديد الأغاني عن المملكة الأردنية الهاشمية في الوقت الذي تغيب فيه الأغاني نفسها والأصوات وسط حيرة الناس والشارع والمجتمع.
أقولها هنا بصراحة.. اختفى غالبية الأشخاص الذين يفترض أن يظهروا وسط الدولة والناس اليوم ليس فقط للدفاع عن الوطن ولا عن خيارات الدولة والنظام ولكن بالحد الأدنى للدفاع عن مصالحهم الشخصية بعدما شاركوا لسنوات على الأغلب في خطف الدولة والنظام وتعزيز مصالحهم ومقاعدهم وأموالهم على حساب الأردنيين البسطاء الذين يرفعون الصوت عاليا اليوم ضد الإدارة الأمريكية وإسرائيل وصفقة القرن ومع الملك والقصر الملكي.
بصراحة أشد: لا صوت بعد الثابت الملكي المعلن في الأردن اليوم إلا أصوات الشرفاء الراغبين في الشهادة من أبناء القبائل والعشائر الأردنية الشريفة ومن أبناء المخيمات الذين يعلنون أن «الجنة فقط هي بديلهم عن فلسطين» وأن الأردن للأردنيين.
الفلاتر والحلقات البسيطة العاملة مع الدولة ومؤسساتها في حالة غيبوبة.
المؤسسات منقسمة أفقيا والترهل والفساد الإداري ضرب الجميع والشللية فصمت المجتمع.
لا يقف المستفيدون من أبناء الدولة سابقا وحاليا ولاحقا فقط عند حدود الصمت المريب عندما يتعلق الأمر بمؤامرة تصفية القضية الفلسطينية على حساب الأردن والأردنيين.
لا بل يزيد هؤلاء بعجرفة بإشاعة الاحباط والتنظير للاستسلام والتأسيس لمرحلة جديدة من التبعية للاقتصاد الإسرائيلي والتأسيس ايضا لتبرير ما سيأتي ويحصل أمام الشعب في سلوك يثير الارتياب اكثر من الصمت نفسه.. الدوائر العميقة طبعا مسؤولة عن هذا الوضع المخجل.
لكن حقوق الأردنيين الشرفاء ومن جميع المكونات الاجتماعية تتطلب وبصراحة تامة التأشير على أن الشعب وحده يقف إلى جانب صوت الملك اليوم في الـ«لاءات» الثلاث بينما تبيض رموز السياسة والإدارة في سلة غامضة.
ولا تدافع حتى عن وظائفها ومصالحها في الوقت الذي يتصدى فيه للمؤامرة بعد القصر أبناء الحراثين، والفقراء المسحوقون واللاجئون الفلسطينيون من الذين كانوا دوما ضحايا التضليل المركزي وكانوا دوما مستهدفين من قبل هؤلاء الذين يتشدقون فقط في الوطنية حول الدولة وحول الملك بدون أدنى ممارسة حقيقية لها.