الأردن عالق بين «هلالين»… «شيعي» يستذكر الخصومة و«سني» يتجاهل الأزمة الاقتصادية
يقف القطب المتحكم في البرلمان الإيراني علي لاريجاني تماماً عند الزاوية الحرجة في المفارقة الأردنية وهو يستحضر قصداً وأمام شخصيات أردنية استضافها هو والبرلمان ضمن النسخة الأخيرة من مؤتمر نصرة القدس قصة «الدولة العربية التي حذرت يوماً من الهلال الشيعي».
لاريجاني هنا يحاول تذكير الأردنيين بالسابقة التي سجلت باسمهم عندما حذروا قبل سنوات ماضية النظام الرسمي العربي من تشكل الهلال الشيعي الذي تفيد الوقائع اليوم بأنه تشكل فعلاً ابتداء من العراق ومروراً بسوريا إلى اليمن ولبنان.
بكل حال، ومؤخراً أيضاً، وفي مناسبات عدة، ترك وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي خلف ظهره مقولة التحذير من الهلال الشيعي حتى وهو يتمسك بالعبارة الدبلوماسية التي تتحدث عن ضرورة توقف إيران عن التدخل في شؤون الدول العربية.
مؤخراً أيضاً اندفعت الحكومة الأردنية وبثقلها وتحت لافتة المبرر الاقتصادي نحو العمق التجاري في بغداد ودمشق أملاً في تحصيل مكاسب مع السوقين بدون دفع كلفتها سياسياً من فاتورة الانحياز الطبيعي للمعسكر العربي والأمريكي المعادي لإيران ونفوذها في المنطقة.
وعبر كل الصفحات التي تحاول التعمق في مبررات ومسوغات الخصومة والتعارض أردنياً مع النفوذ الإيراني، تستمع القيادة الأردنية لنصيحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والقاضية بأن إيران في المنطقة «زوجة شريرة لا بد من النوم معها بين الحين والآخر» .
عمان تؤمن بأن طهران زوجة شريرة فعلاً، وقد بدأت عملياً تلك الخصومة منذ أطلقت التحذير الشهير من تشكيل هلال شيعي يخنق النظام العربي الرسمي أو يحاصره، وهو الأمر الذي قرر لاريجاني أصلاً التذكير به وسط حشد من الضيوف بينهم شخصيات أردنية رفيعة مثل رئيس الوزراء السابق طاهر المصري، ورئيس الديوان الأسبق الدكتور جواد العناني.
بكل حال، حصل ذلك قبل نحو ثلاثة أسابيع من الرسالة المهمة التي حملتها زيارة الملك عبد الله الثاني الأخيرة لبغداد والتي أعقبت محاولات بذلها رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز في العمق العراقي لبناء خطاب مصالح بين البلدين يوحي ولو بقدر من الانفراج تحت عنوان التلاقي في منتصف الطريق إزاء بعض الملفات والقضايا التي تهم اللوبي الإيراني النافذ في العراق.
يمكن ببساطة هنا ملاحظة أن السعي الأردني للتقارب مع العراقيين ينمو ويزداد حضوراً مع الجناح الذي يمثل المصالح الأمريكية عملياً في العمق العراقي، خصوصاً في الدائرة المحيطة برئيس الجمهورية برهم صالح، التي سجلت لصالحه الزيارة الملكية الأردنية. لا يظهر الأردن حماسة من أي نوع هذه الأيام للاستمرار في التحذير من الهلال الإيراني أو الشيعي، فقد تشكل هذا الهلال في الواقع الموضوعي. لكن الجديد تماماً في القياسات والمقاربات الأردنية هو أن الأردن اقتصادياً لم يحصل بعد تحذيره من الهلال الشيعي على أي مكاسب من أي نوع من محيطه الحيوي في النظام أو الهلال السني العربي فالعلاقات مع السعودية الجديدة في أسوأ الأحوال.
وإسرائيل هي الأقرب للمحور السني العربي اليوم وبدون أي ترتيب من أي نوع، كما كان يحصل في الماضي مع الأردن. تلك نقلة يفرضها إيقاع الواقع الإقليمي دفعت الأردن إلى أزمة استراتيجية عميقة، فهو البلد الذي يفلسف أصلاً للخصومة مع الهلال الشيعي، وهو أيضاً اقتصادياً البلد الذي يتجاهل مصالحه الاقتصادية الهلال السني. لا يخفي الأردنيون شعورهم بالمأزق والألم، لأن المليارات السعودية والإماراتية تندفع بسخاء في مختلف الاتجاهات مثل مصر والباكستان، لكنها تكتفي بمراقبة التداعيات الخطرة مالياً واقتصادياً للأوضاع في الأردن. وهذه هنا مفارقة جديدة تعني باختصار أن أزمة المصالح الاستراتيجية الأردنية عالقة بين هلالين، الأول شيعي إيراني يستذكر الخصومة ويستدعيها ويطالب بتحولات من الصعب إنتاجها في الموقف الأردني. والثاني حليف مفترض لم يعد يدفع كلفة الشراكة والتحالف حتى تحت الشعار السني الرسمي. المهرب المتاح اليتيم للأردنيين هنا، بدلاً من الانتظار مطولاً في منطقة الفراغ الاستراتيجي بين هلالين شيعي وسني، يتمثل في برمجة اندفاعة محسوبة بدقة خارج المحور السعودي وفي أحضان البديل التركي، مع البقاء في موقع تكتيكي لا يسمح بإنتاج ذرائع تخدم الانقلاب الإسرائيلي على مصالح الدولة الأردنية أو تدفع بالشريك السعودي المتهور بالانتقام والرد. يقف الأردن حصرياً في هذه المساحة التكتيكية عندما يتعلق الأمر بحواره الغائب مع دولة إقليمية مهمة مثل ايران على أمل أن يخفف الإيرانيون بالمقابل إفراطهم في الخصومة والعداء عبر لفت نظرهم إلى جاهزية أردنية محدودة باتجاه التعاطي مع وقائع نفوذهم مصلحياً في العراق وسوريا.