الأردن عندما «يتنوَّع إقليمياً»: مغازلة حذرة لـ «الهلال الشيعي»… كلام رومانسي عند «طريبيل» ولقاء قمة «عائلي» على هضاب إسطنبول
آخر سياسي أردني رفيع المستوى زار طهران وتحدث مع قادتها، وبالأخص رموز البرلمان، هو الرئيس المخضرم طاهر المصري.
ناور الرجل هناك وحاور وتحدث وعرض وجهة نظر بلاده في الكثير من الملفات والقضايا، وطرح رؤية نقدية من مثقف سياسي عربي لها علاقة بمسوغات ومبررات الحقن الطائفي من كل الاتجاهات، داعياً إلى الحد من هذه الحمى التي تخدم في النهاية المشروع الإسرائيلي. بحث المصري بموضوعية عن نقاط التقاء.
بصعوبة بالغة يمكن القول اليوم إن العلاقة الأردنية الإيرانية لا تزال في دائرة الارتياب ولم تتطور باتجاه التوافق، لكنها هادئة وخالية من الضجيج.
طراونة قد يزور دمشق والمصري عاد من طهران وعمان تترقب عباءة بن سلمان بعد زحفها خارج المحور
ويمكن القول أيضاً بأن طهران تراقب بدهاء نمو ما يسميه ساسة أردنيون اليوم بسياسة تنويع المحاور وبالزحف الأردني البطيء جداً والحذر خارج المحور السعودي وباتجاه المحور التركي، وإلى حد بسيط النظام السوري، وقبل الجميع الانفتاح الأردني الكبير على المعادلة العراقية.
في مقاربات المصري الذي تناقشت معه «القدس العربي» عدة مرات، فإن إيران دولة إقليمية مهمة جداً في المنطقة ومن الصعب تخيل الحفاظ على المصالح الإقليمية الأردنية بدون تشخيص جريء أو معالجات ناجحة لعلاقة ما معها ..
يوافق على هذا الاستنتاج أيضاً خبير اقتصادي وسياسي من وزن نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد الحلايقة، الذي يدعم مراجعة شاملة للمسار الاقتصادي الأردني تحديداً واحتياجاته ومتطلباته بناء على قراءة واقعية أكثر للمصالح وللتحديات.
لافت جداً أن إطلالة شخصية من وزن المصري على المؤسسة الإيرانية انتهت باستذكار علني وعلى المنبر من قبل الإيرانيين لمقولة الأردن الشهيرة حول «الهلال الشيعي».
تلك كانت محاولة استذكار سلبية لا تخدم أية أفكار بعنوان انفتاح جديد بين عمان وطهران تسنده فلسفة التنويع الإقليمي الأردنية، حيث يخطط رئيس مجلس النواب الأردني عاطف طراونة لتلبية دعوة رئيس مجلس الشعب السوري بزيارة دمشق.
وحيث حرص الرئيس التركي رجب طيب اردوغان على إظهار حفاوة خاصة وعائلية الطابع بالملك عبد الله الثاني وزوجته الملكة رانيا العبد الله، قبل توجه عاهل الأردن إثر وقفة حميمية بمضمون سياسي في إسطنبول وليس في أنقرة، إلى تونس.
عبارة واحدة فقط خلافاً لجولة عائلية في بعض هضاب وقصور إسطنبول انتهت بها القمة الأردنية التركية السريعة. وهي تلك العبارة التي تتحدث في حال الاندفاع نحو التقاط ما هو مهم في هذه الزيارة عن «توسيع آفاق التعاون الاقتصادي».
تلك عبارة حساسة وعميقة لأنها ببساطة توفر إرادة الزعيمين السياسية لاستبدال اتفاقية التبادل التجاري الملغاة من قبل عمان بين البلدين. الأهم أنها عبارة توحي سياسياً بمقايضة تتقرر على المستوى الاستراتيجي الأردني وتصنع أساساً للتعاون الاقتصادي، بمعنى استعداد الأردن للزحف اقتصادياً هذه المرة نحو الحضن التركي في سياق استبدالي يؤكد مجدداً أن الحضن السعودي والإماراتي لم يعد متاحاً ومنتجاً.
صبر اردوغان، كما سمعت «القدس العربي» من مسؤول بارز في أنقرة، كثيراً على تملص الحكومة الأردنية من اتفاقية التجارة الحرة الملغاة، وأمر بالحرص الشديد على إرضاء الأردن وقيادته، ويرغب في التعاون أكثر في ملف القدس والأوقاف، وصدرت عنه توجيهات تخدم حكومة عمان عندما أمر بتسليم رجل الأعمال المطلوب في قضية السجائر الضخمة عوني مطيع.
تلك الهندسة التركية تجعل سياسة التنويع الإقليمي الأردني منتجة أكثر في الواقع.
لكن إيران في الطرف المقابل، ورغم أنها خذلت المصري وهو يحاول إيجاد مساحة مشتركة، توقف فجأة تحرشها بالمصالح الاقتصادية والتجارية الأردنية في العراق وتتوقف عن ترديد النغمة القديمة، التي أنشدها عدة مرات حليفها العراقي نوري المالكي عندما أبلغ الأردنيين بالرسالة المختصرة: «تريدون فتح معبر طريبيل والدخول للأسواق العراقية.. عليكم إعادة السفير الأردني إلى طهران».
المشهد في حدود طريبيل تحديداً طوال فترة بعد ظهر أمس الأول، السبت، كان يوحي بتراخي القبضة الإيرانية وبأمر صدر من طهران يقضي بتخفيف اندفاع اللوبي الموالي لها في البرلمان العراقي ضد حالة الانفتاح الاقتصادية مع الأردن. هنا تحديداً كاد رئيس الوزراء الأردني، الدكتور عمر الرزاز، ينشد شعراً وهو يتحدث عن البهاء عندما يعود لعواصم الشرق الموحد.
اجتمع الرزاز بنظيره العراقي المستجد عادل عبد المهدي لتدشين افتتاح معبر طريبيل وسط أجواء مغرقة في الاحتفال، وتحدث الطرفان عن توقيع بروتوكولات تنفيذ لتعاون ضخم في مجال النفط والتصدير والنقل والجمارك وحركة الشاحنات والحدود.
مثل هذه الحزمة من التعاون المباغت التي حصل عليها الرزاز تخدمه طبعاً في السياق الداخلي، لكن الانطباع السياسي يشير إلى أنها لم تكن قابلة للتحقيق لولا استرخاء نسبي مدروس في القبضة الإيرانية التي منعت منذ سبعة أعوام على الأقل مصالح الأردن في العمق العراقي بعد ملامسات متذاكية دبلوماسياً لأطراف في الهلال الشيعي.
نتائج مشوار هذا التعاون يمكن مراقبتها إذا ما زار الطراونة دمشق. ويمكن أيضاً الاستدلال على بعض تأثيرات وأعراض سياسة التنويع الإقليمي التي يقودها الديوان الملكي الأردني اليوم في حال مراقبة زيارة مفترضة ولم تتحول بعد إلى حقيقة إلى الأردن بتوقيع ولي العهد السعودي المتهور الشاب الأمير محمد بن سلمان