الأردن ـ سوريا: معادلة «الأمر الواقع» تنصح بالاستقرار «الأمني» وتجاهل «السياسي» والتركيز على «البزنس»
هدف عضو البرلمان الأردني النشط والمثير للجدل بحكم علاقاته مع النظام السوري الجار، طارق خوري، من دعوة حكومة بلاده إلى «النفير العام».. إلى اقتناص الفرصة التي يوفرها آخر قرار للحكومة السورية بخصوص الحدود أكثر من واضح سياسياً .
في مقاربات الجانب الرسمي الأردني، سعى خوري بوضوح لتبديد الاتهامات الموجهة لوزير النقل السوري، تحديداً علي حمود، بالإشارة إليه باعتباره «الجندي المجهول» الداعم لقرار وزارة الصناعة والتجارة السورية، باعتبار حدود نصيب مع الأردن هي المدخل الوحيد المسموح به لعبور البضائع من آسيا برمتها.
وصف خوري في مذكرة أرسلها لرئيس الحكومة الدكتور عمر الرزاز، القرار بأنه «تاريخي» وطالبه بالاستنفار والمبادرة وفوراً لعقد اجتماعات «وزارية رفيعة» حتى يستفيد الأردن من هذا التحول المهم.
عملياً، لم يرد اسم وزير النقل السوري في مذكرة خوري عبثاً، فالأخير يتهمه الأردنيون بالمماطلة والتسويف واللف والدوران والمراوغة في مرحلة ما بعد افتتاح وتشغيل معبر نصيب، وسط قناعة القرار الأردني بأن المشكلة الأساسية مع الحكومة السورية تتمثل في عدم وجود قرار مركزي، ووجود على الأرجح «تأثيرات» إيرانية ولبنانية في قرارات وإجراءات بعض الوزراء.
وعملياً، ما يقترحه خوري وهو «يرقص» سياسياً وإعلامياً، أمس الجمعة، هو أن الجانب السوري استجاب لضغوطه وتدخلاته وبدأ بأول إجراء يمكن أن ينقذ قطاع النقل الأردني العاطل نسبياً عن العمل منذ سنوات. بمعنى آخر، تضع دمشق – وبعد سلسلة من الخلافات بخصوص الحدود والنقل تحديداً- مبادرتها الجديدة في رصيد عضو ناشط بالبرلمان يؤيد علناً الرئيس بشار الأسد وبحماسة.
ذلك يحصل لسبب «سياسي» على الأرجح، وضمن فعاليات لعبة القط والفأر السياسي بين عمان ودمشق، حيث أن ما يريده خوري الآن إعلان النفير العام والوزاري حتى تستفيد بلاده من فرصة تاريخية قد تفيد بتحويل شمال المملكة والمعابر مع سوريا إلى «مركز عمل رئيسي» ومحوري في عمليات «إعادة الإعمار».
آخر رسائل دمشق للأردنيين، بالمقابل، كانت تلك التي تقمصت الصياغة التالية.. «حسناً، من الصعب التفاهم سياسياً والتوحد أمنياً، وعلينا الاتجاه للبزنس». تلك رسالة تناسب التفصيلات الأردنية الأمنية والسياسية، خصوصاً وأن الاستعصاء بقي لأكثر من عام هو الإطار الحاكم لمؤشرات الارتياب بين البلدين الجارين.
طبعاً، القرار الذي كشفه النائب خوري كان يمكن إنجازه منذ ستة أشهر، حيث أصر وزير النقل السوري سابقاً على فرض رسوم عبور كبيرة على كل شاحنة بضائع أردنية تعبر إلى سوريا، ومضاعفتها إذا عبرت إلى لبنان، وحيث طلب الجانب السوري فتح معبر نصيب وتأخر في الجاهزية، فيما كان الأردن يزود الجانب السوري بكل مساعدة لوجستية ممكنة، بما فيها «أجهزة توثيق إلكترونية».
في كل حال، ثمة رواية تختلف عن تلك التي يروجها وزراء سوريون لتبرير التأخر في تدشين العلاقات الدبلوماسية بين العاصمتين، حيث دعي رسمياً وزير النقل السوري للحضور إلى عمان لمناقشة كل التفصيلات، وأصر على توجيه دعوة رسمية مكتوبة له، ووجهت له فعلاً لكنه قرر عدم الحضور. لاحقاً، طلب من وزير النقل الأردني وليد المصري أن يزور دمشق، فوافق وطلب توجيه كتاب رسمي له لم يوجه.
وقبل ذلك، فوجئت وزارة المياه الأردنية بأن حصة المياه الأردنية المتفق عليها من نهر اليرموك توقفت بنسبة تزيد عن 80% بمجرد عودة الجيش السوري للمنطقة ضمن ترتيبات خفض التوتر. ويرجح مسؤولون أردنيون أن السبب وراء تأخير تبادل السفراء بين دمشق وعمان ينبغي أن يتحمله البلدان، حيث هناك تأثير للوبي الإيراني في دمشق يحاول «تسييس» الاحتياجات الأردنية الاقتصادية والتجارية، وثمة لوبي مماثل في عمان لا يظهر أي مرونة تجاه عودة العلاقات مع دمشق إلى طبيعتها.
وفيما يقول الأردنيون خلف الكواليس بأن قرار الحكومة السورية «ليس مستقلاً» ويتأثر بقوى إيرانية ولبنانية وعراقية مخاصمة للأردن وتريد ابتزازه ..وفيما يحصل ذلك، فإن المستوى الأمني السوري يشكك في استقلالية القرار الأردني من جهته ويتحدث عن تأثيرات إسرائيلية وأخرى أمريكية تحمي التردد بشأن إطلاق علاقات استراتيجية مع المملكة.
وسط هذا الحوار الاتهامي تبدو الاتصالات في البعد الأمني مستقرة بين البلدين، ويزداد الاعتقاد بأن «ألعاب» الوزراء هي التي تعيق الكثير من الانطلاق. والأهم – إذا ما صدقت رواية النائب خوري للأحداث – هو أن القرار السوري الذي يتحدث عنه الأخير هو تطبيق لمبدأ العمل على أساس المصالح التجارية والاقتصادية مرحلياً ما دام التفاهم السياسي بعيد المنال الآن، وما دام التوافق الأمني مفعماً بالحسابات المتقاطعة.