الأردن “فلترة” خطاب الملك مجددا… دبلوماسية “المؤخرة” اليابانية تستقبل “رسالة ترامب” وفي السودان: سلسلة “ميني ديكتاتور” منذ ساعة واحدة
قناعتنا مستقرة أن أي زعيم يستطيع تجنب أي عبارة يريد أن لا يقولها، خصوصا في لقاء عام تشتعل فيه ملكة الاصغاء والالتقاط عند فضوليين أو في بلد كالأردن شعبه “بيخبر تلقائيا”، على حد تعبير زميلنا عبدالله العتوم.
عبثا حاولت شاشة “المملكة” المحلية مغادرة المألوف عبر عملية لف ودوران في نشرة الأخبار والبرامج الحوارية لمعرفة ماهية “الموضوع غير المخصص للنشر”، الذي طرح في اللقاء الأخير للملك مع نخبة من الشخصيات.
شاشة تلفزيون الحكومة اختصرت الطريق ومارست مجددا عادتها المفضلة، حيث “العرس عند الجيران”.
كذلك صمت الإعلام الرسمي، ووحده زميلنا جميل النمري تحدث عن “بعض ما دار” .
على كل حال في مجتمع يعلي من قيمة “النميمة” و”القيل والقال” لا مجال لإخفاء أي أسرار، خصوصا إذا قال شخص أي شيء لآخر، حيث سرعان ما تعرف الزوجة، ثم الجارة، ولاحقا العشيرة والحارة خلال دقائق!
نقولها وأمرنا إلى الله، ولأسباب فنية ومهنية بحتة: الاجتهاد في قصة “غير مخصص للنشر” – مع وجود لقاء عام ومصور، وبحضور عدة شخصيات – خاطئ وفي غير مكانه والأفضل للمستشارين والأعوان والحلقات الوسيطة تقديم “رواية للحدث” مدروسة بعناية وقابلة للصمود ومنطقية وترك “الخطاب الملكي” بدون “فلترة لا مبرر لها” إطلاقا.
للتذكير: محطة “سي أن أن” هي التي سربت محضر اجتماع الملك مع كوشنر والقناة الثانية في تلفزيون كيان الاحتلال تنشر كل أنواع الغسيل.
صناعة الديكتاتور في الخرطوم
استبدل أهلنا في السودان المبتلى الديكتاتور الراحل بحزمة من “سلسلة ميني ديكتاتور” تتقمص دور المجلس العسكري الانتقالي.
لا انتقالي ولا ما يحزنون، والسيناريو المصري هو الاتجاه الآن، خصوصا بعدما شاهدنا التقرير المفصل في “الجزيرة” عن يوم “العصيان المدني” احتجاجا على شهداء الشعب السوداني.
وسط المحلات المغلقة، وحسب مسار الصور التي بثتها “الجزيرة” كانت فقط شاحنات المجلس العسكري تتنقل في الشوارع السوداء.
وبين الحين والآخر يطل “الزول” بدشداشته البيضاء وسط المدرعات.
الأكثر طرافة أن “الانقلاب على الانقلاب” في السودان الشقيق حظر بالبنط العريض “الإنترنت” والسبب أنه “خطر على الأمن القومي”… العبارة الأخيرة سمعتها على شاشة الفضائية السودانية، وكان الناطق باسم المجلس العسكري يلوي شفتيه، وهو يقولها على طريقة جنرال الكفتة المصري الشهير للإيحاء بـ”التأكيد” وبقناعة علمية وأمنية ووطنية .
حيط الانترنت “واطي” وهو الخصم دوما، حتى أن المرء يتمنى “انقلابا عسكريا رقميا” من صنف الـ”ديجتال”.
صدقا يخطر في ذهني دوما السؤال التالي: لماذا يحظر الانقلابيون والعسس وأصحاب السلطة فورا الانترنت بدلا من استعماله ضد خصومهم في الشارع؟!
“جن” الأردن
تستطيع قناة “نتفليكس” الالكترونية المتلفزة تقديم شكرها الجزيل لعدد محدود من الأردنيين على الخدمات الجليلة، التي قدموها لها مجانا بعد أن اتهموها بقيادة “مؤامرة خارجية” على الشعب الأردني، الذي يصر بعض أولاده أنهم جزء من الملائكة ويعيشون في المدينة الفاضلة.
السبب هو “مسلسل” جن الشبابي الفني، الذي يتميز برأينا بتقنية تصوير رفيعة المستوى وبمحتوى ونصوص غاية في البؤس والفقر ومصابة بالأنيميا.
المسلسل كان يمكن أن يشاهده فقط من يعرفون أصلا من الأردنيين بوجود شاشة اسمها نتفلكس… عدد هؤلاء بالمئات إن لم يكن بالعشرات، أما اليوم وبعد اتهام المسلسل بالرذيلة وترويج الدعارة وفتح تحقيق بشأنه فالعدد بالملايين.
“الجن” الحقيقي ركب أكتاف الشارع الأردني بمجرد أن نشر أحدهم عبارة تواصلية تطالب الشعب بالتصرف، دفاعا عن كرامته الوطنية وتاريخه لأن ممثلين شبابا مراهقين تصرفوا أمام الكاميرا براحتهم، وقالوا ما يقولونه على الرصيف أو في السينما أو عند مطعم “ماكدونالد”.
الحملة على المسلسل أصبحت خبرا على فضائيات متعددة، من بينها “الأردن اليوم” و”الجزيرة” وحتى “سكاي نيوز”.
أبدع المنافحون عن كرامة شعبنا الأبي، فقد قاموا بترويج المسلسل مجانا.
رسالة ترامب: أين؟
في بث بطيء على محطة باسم “الأصيل” شاهدنا مضمون الحوار بين المرشد الأعلى لجمهورية إيران علي خامنئي ورئيس وزراء اليابان المسكين، الذي لا ناقة له ولا بعير، في القصة كلها.
كمشاهد أحسست أن رئيس وزراء طوكيو كان مسرورا للغاية، وهو يضع رسالة الرئيس دونالد ترامب لخامنئي في المكان الطبيعي المخصص لها تحت مؤخرته.
على طريقة أفلام الأكشن، وكما يفعل الروبوت، الذي تنتجه شركة “سوزوكي”، قاس رئيس وزراء اليابان الذكي قبل الغوص. استمع لخطبة عريضة من الهرم الإيراني، وشعر بقدر من الإحراج، لكنه سرعان ما تصرف وقرر الاستمتاع بحماقة الطرفين، فحمل رسالة ترامب عن الطاولة ووضعها أسفل مؤخرته، ولسان حاله يقول: لم أعد أحمل رسالة ببساطة.
شخصيا لا أستطيع توقع حجم المتعة، التي يشعر بها رئيس وزراء “الساكي”، وهو يستمع لخطبة عرمرمية من المرشد العام، فقد علقت طوكيو بين عملاقين يتاجر كل منهما بأمن المنطقة ويبتز شعوبها، بحيث تنتهي المصلحة في الحلقة الأخيرة بحضن المشروع الإسرائيلي.
دبلوماسية المؤخرة اليابانية خير دليل وقرينة على مثل هذا المنطق.