الأردن مجدداً في «التأزيم»… مخاوف من استدعاء مناخ الاضطرابات عام 1989؟
العودة للمأزق نفسه: بين الولاء «السام» والحراك «الشتام»
«تشخصن» المعارضة الأردنية النشطة جداً، هند الفايز، تحليلها السياسي عندما تعلن بأن الهدف من عودة خصمها العلني سلامة حماد وزيراً للداخلية في المملكة هو حرف مسار الحراك الشعبي من المطالبة بإسقاط النهج إلى المطالبة بإسقاط الحكومة.
تلك وظيفة لا تبدو موضوعية عندما تعلنها عضو البرلمان السابق التي أصبحت معارضة شرسة منطلقة من قيود شخصية في التخاصم مع قريبها الذي اشتبكت معه في الماضي عندما كان وزيراً للداخلية، حيث خسرت الانتخابات في المنطقة التي تعتبر واجهة عشائرية لها ولقريبها الوزير. وبكل حال، ما تقوله هند الفايز من حقها، وما يقوله الوزير سلامة حماد من حقه أيضاً.
لكن ليس من حقهما الاثنين إسقاط الخصومة على المشهد الوطني والداخلي، خصوصاً في لحظة حرجة جداً وللغاية، وتتطلب إطلاق كل أجراس الإنذار ونكران الذات والحسابات الشخصية لصالح منهجية وطنية توافقية تبحث عن ضوء وسط النفق، كما يقترح الناشط السياسي الإسلامي مروان الفاعوري.
في المقابل، ما حاولت الإشارة إليه المعارضة الفايز وجهة نظر موجودة في خارطة النخبة السياسية والنقابية والحزبية اليوم، وهي تحاول الإجابة على خلفية وملابسات وظروف سؤال التعديل الوزاري، وليس سراً أن وزيراً إشكالياً ومخضرماً من وزن حماد يشكل عنصر التجاذب والنقاش الأبرز.
وليس سراً أن الرئيس الرزاز وضع قالباً لاحتياجاته المتعلقة بملف الأمن الداخلي وهو يبحث عن وزير داخلية جديد قبل أن تأتيه الهمسة بترشيح حماد من رئيس الديوان الملكي وشريكه في طبخة التعديل، الوزير يوسف العيسوي، ودون أدنى دليل أو قرينة قوية على أن عودة حماد قرار مرجعي.
في كل حال، عاد حماد وأصبحت عودته لوزارة الداخلية قضية تلوكها كل الألسن وتثير كل الصخب بالرغم من إقرار الجميع بخبرات الرجل البيروقراطية في مجاله الحيوي، وبالرغم من حضوره كرمز صلب للقبضة الأمنية في وقت تم تغيير الهيكل الأمني فيه مع رسائل ملكية تاريخية تتحدث عن مرتكزات الدستور وقواعد الدولة الحديثة.
تفاصيل المفارقة في المراوحة ما بين القبضة الأمنية الخشنة وتلك الناعمة لا علاقة لها بالأشخاص ولا بالكيمياء المفترضة بينهم بقدر ما لها علاقة بفهم وتفسير كل مسؤول أمني لتوجيهات القصر بعنوان الاحتراف ومرتكزات الدستور وهيبة الدولة وقواعد الدولة الحديثة.
بمعنى آخر وأكثر عمقاً، قد يجد المستوى الأمني نفسه عالقاً في الخلفيات التي تفسر وتحلل النص، وفي الدوافع التي تحدد كيفية قراءة التوجيه المرجعي، الأمر الذي قد يؤسس لمفارقات في الفهم والإجراء بين الحين والآخر تتغذى سياسياً وبيروقراطياً وإجرائياً على عدم وجود كيمياء سابقة بين المسؤولين أولاً، وعلى عدم وجود نص موحد ثانياً. وهنا حصرياً قد يقرأ الوزير حماد توجيهاً مرجعياً بالطريقة التي سبق له أن اختبرها، لكنها قد لا تكون ملزمة في كيفية القراءة لمسؤولين في شعب الأمن السياسي أو في أجهزة أمنية أخرى مستقلة.
يحتاج المشهد الأمني الوطني الأردني لفترة من الوقت ترتفع فيها هرمونية التفاعل والتواصل حتى توضع خطط فيها قدر كبير من الدقة، ويعمل الجميع في إطار الإصرار الملكي على عمل المؤسسات الجماعي.
إلى أن يحصل ذلك، سيجتهد أحد مسؤولي الأمن الميدانيين الصغار هنا أو هناك، وقد تحصل بعض الأخطاء الفردية، وقد توجه رسائل ليست مقصودة، مع أن الأهم هو الالتقاط الحساس من قبل المجتمع لأي تصرف بخلفية أمنية وعلى أساس خلفيات التأزيم وليس بالضرورة أن يكون تأزيماً من ذلك الطراز العبقري جداً الذي تقترحه المعارضة هند الفايز.
تلك الحساسية الاجتماعية برزت عند أبناء قبيلة كبيرة مثل قبيلة بني حسن، ليس لأن السلطات اعتقلت الناشط الحراكي نعيم أبو ردينة، أحد أبناء القبيلة، فقط، ولكن لأن طريقة تنفيذ الاعتقال كانت استفزازية، وتصور أبناء القبيلة بأنها قد تنطوي على رسائل خاصة بهم، خصوصاً عندما تعلق الأمر بالسماح بتصوير عملية الاعتقال ثم السماح الغامض بتسريب التصوير أو عندما تعلق بمداهمة المنزل فجراً.
طبعاً، تلك سلوكيات أمنية ميدانية يمكن أن تستغني السلطات عنها لأنها ببساطة هي التي تؤدي إلى تأزيم الناس وأبناء الحراك والقبائل والعائلات، ويمكن أن تندرج في إطار سلوك اجتهادي فردي لا صلة له بأي رسالة عميقة.
الأهم أن الاعتقالات والمداهمات التي بدأ الوزير حماد سياسياً عهده بها، وقد لا يكون المسؤول الوحيد عنها وإن كان يتحمل كلفتها، هي نفسها الرسالة الخشنة، وليس طريقة تنفيذها، بالتحالف مع رسالة موازية تقول بالعودة إلى إنفاذ قوانين مخالفات إطالة اللسان.
التأزيم الأمني هنا لا يمكن إنكاره حتى وإن لم يكن مقصوداً.
لكنه في الواقع السياسي الأعمق يحاول الرد على تأزيم مقابل انطوى على تطرف وشطط في التعبير عند بعض الحراكيين الشتامين من أصحاب الصوت المرتفع، الذين يتهمون بدون دليل لا بل يشتمون في بعض الأحيان، خصوصاً وأن إطالة اللسان على هامش فعاليات يفترض أنها شعبية سلوك يجرح مشاعر الأردنيين عموماً ويقلق المجتمع خلافاً لأنه ينطوي على تطرف وتشدد في المفردة واللغة يحرم الحراك الشعبي بالمقابل من زخم في المضمون ومن تضامن اجتماعي أكبر.
وعليه، يصبح التأزيم من باب الولاء السّام رداً على التأزيم من جهة الحراك الشتام .. تلك أقرب وصفة لمنحى الاضطراب المسجل في مناخ عام 1989 .. السؤال هو: هل هذا هو المقصود؟