الأردن: مواطن ظالم ودولة «معصومة»
«مرتكزات الدستور»..حسنا هرمنا فعلا في الأردن قبل أن نسمع مثل تلك العبارة في سياق «تكليف ملكي» مباشر لأحد مدراء الأجهزة الأمنية الرئيسية.
هرمت شخصيا أكثر قبل أن أسمع خطابا ملكيا علنيا يوجه بإقرار حصول «استغلال وظيفة» من قبل فئة قليلة وصغيرة من عناصر الأمن كانت وظيفتها حراسة الدولة والعرش والوطن فإنشغلت بحراسة مصالح وشبكة علاقاتها.
عندما يتعلق الأمر بالدولة ونخبها ورموزها ومن يتعاطون الشأن السياسي والإعلامي والأمني في المجتمع يصبح الأردن «قرية نخبوية» صغيرة فالكل يعرف الجميع والشاشات تراقب كل التصرفات وأي شخص متورط بالعمل السياسي والإعلامي يعرف ما حصل الصيف الماضي على طريقة فيلم الرعب الأمريكي الشهير.
لا نريد العودة للصيف الماضي ونساند فتح صفحة جديدة على أساس»مرتكزات الدستور والدولة الحديثة» كما ورد في نصوص رسالة التكليف لمدير المخابرات الجديد والرد الامتثالي عليها.
طبعا علينا الانتباه لأن مفهومنا لـ«الدولة الحديثة» قد يختلف كأفراد وما نفترضه بعد التغييرات الأخيرة المهمة في الهيكل الأمني والاستشاري الأردني قد يختلف عن المفهوم المستقر في عقل الدولة او طاقمها الجديد.
لكن الأمر لا يقلق أحدا بالمحصلة فعندما يتعلق الأمر بالإرادة السياسية الحقيقية العميقة لقلب الصفحة من جهة القرار والدولة وإظهار «حسن النوايا» من قبل المجتمع يمكن التوصل إلى قواسم عمل مشتركة يصبح فيها الخلاف على جزئية هنا او هناك إثراء للوعي والتفكير.
اليوم وبصراحة لدينا رسالة تكليف للمؤسسة الأمنية ورمزها «تاريخية» بالمعنى الوطني والسياسي وقد تكون أهم بكثير من مجمل بيانات التكليف التي وجهت لعدة حكومات متعاقبة.
هي رسالة استثنائية لثلاثة أسباب أولها أنها تتضمن إصدار أمر ملكي مباشر بالعودة لأصول الدستور والاحتراف المؤسسي.
وثانيها أنها تقر ولأول مرة علنا بحصول «حالة « خارج سياق الالتزام المألوف عند نشامى الأجهزة الأمنية فيها نمط انحرافي من استغلال الوظيفة لأغراض شخصية.
هنا حصريا لابد من وقفة لأن المضمون الملكي يعني أن من يتصدر القرار باسم الدولة والنظام والقانون ليس «معصوما» وتلك النصوص التي نسمعها هنا وهناك بين الحين والآخر لم تعد منتجة، فالمسؤول «الأمني» مثل السياسي والبيروقراطي يمكن أن يخطئ ويمكن أن يستغل وظيفته ونحمد الله أن جرأة التشخيص الملكي هنا كانت أوضح من أي سيناريو لتفسسر مغلوط.
المسؤول «الأمني» مثل السياسي والبيروقراطي يمكن أن يخطئ ويمكن أن يستغل وظيفته ونحمد الله أن جرأة التشخيص الملكي هنا كانت أوضح من أي سيناريو لتفسير مغلوط
ونحمده لأن المؤسسة الأمنية التي يشهد لها بالكفاءة والاحتراف ويعود الفضل لها في الاستقرار العام تمتلك أدوات الاصلاح ومواجهة أي انحراف «فردي» في داخلها وهو ما أفهم شخصيا أن الملك يقصده.
معنى الكلام أن رجال الأمن بشر مثلنا وما يقولونه بعد الآن «لم يعد مقدسا» ونظرياتهم قابلة للتدقيق والمؤسسات ليست معصومة والمعيار في الفصل بين ما هو «مؤسسي أو فردي» بعد المرحلة الجديدة هو الإطار القانوني والمراقبة الملكية والانجاز وسقطت مقولة المواطن الظالم بالتالي.
يشهد الله أننا رصدنا عشرات المرات وعلى مدار سنوات سلوكيات بيروقراطية فردية يندى لها الجبين ولا يمكنها أن تنم عن ولاء حقيقي للنظام وللعرش وتكرس الشللية لكن في كل المرات كنا نترفع عن تسليط الضوء ترفعا عن أي محاولة لتشويه الموقف أو أي مشروع للمساس بهيبة المؤسسات وتشويهها وحرصا على الصالح العام وليس طمعا أو خوفا.
بكل حال ثمة الآن تشخيص ملكي يتحدث عن حالات محددة بقصد إستئصالها من العمق في مؤسسات الدولة وأحسب شخصيا أن الطاقم الأمني الجديد يتميز بالاحتراف والكفاءة والأهم القدرة على التقاط ما هو جوهري في التنبيه الملكي.
الدول لا تبنى بالنوايا الحسنة والشرعية الدستورية لا تتحقق بالأقوال دون الأفعال.
وبصرف النظر عن موظف غادر موقعه وآخر جلس في مقعده يمكن القول إن الأردن يحتاج لجميع أولاده في مرحلة حساسة وصعبة.
ويحتاج بعد مخافة الله وتفعيل الضمير والرقابة إلى موظفين لديهم احساس رفيع بالمسؤولية وأخلاق وطنية يحرصون على الوطن والناس بقدر ما يحرصون على تزويد صاحب القرار بالمعلومة الموثوقة عن قنوات المصالح الضيقة وشلل السهرات والمقاولات وإنحيازات العشيرة والمنطقة والمحاسيب والمعارف.
ينبغي أن نتوقف عن «لعن» من غادر موقعه والتشكيك به وايضا عن التصفيق الحار والمبالغ فيه بمن حل في موقعه قبل كشف الحساب المهني وتقييم المنجز بحيث يكسب الجميع «فوق وتحت» بنفس الوقت.
مرتكزات الدستور عبارة بمنتهى الأهمية لكنها تحتاج لمقاربات أمنية ودستورية وقانونية وإجرائية وطنية بإمتياز تفتح فعلا صفحة جديدة في العمل العام وتعيد الوطنيين الأغيار والمتميزين إلى واجهة العمل الوطني والمسرح العام بدلا من الاسترسال في الصمت على استهدافهم لعقدين من قبل جهة شللية أو مسؤولين طارئين سحبوا الكثير من رصيد الدولة في قلوب الناس.
نرحب بالطاقم الجديد في صدارة العمل الوطني الأردني ونتمنى له التوفيق.
لكن من الإخلاص والوفاء والولاء أن لا نبالغ في الترحيب والتصفير والتصفيق ونتريث حتى نرى المزيد من التحولات الأهم من الاشخاص وحتى نراقب الأداء بإحساس مرتفع من المسؤولية دون مجاملات لا معنى لها على حساب الدولة وثوابتها.