اراء و مقالات

خارجية الأردن: أي «أفق»… وأين «الاحتلال»؟

الشعب الأردني واضح في مشاعره وموقفه فهو لا يفرق بين لبيد ونتنياهو وشامير، فهؤلاء جميعا في وجدان الأردنيين مجرمون قتلة وأوغاد

بدأت عبارة «أفق سياسي» التي يرددها وزير الخارجية الأردني الزميل سابقا أيمن الصفدي تثير التساؤلات وتجذب الأضواء، ليس فقط لأنها عبارة لا تقول شيئا محددا أو مفصلا عندما تقترن بأي مستجدات تصعيدية من جانب العدو الإسرائيلي، ولكن لأنها أيضا عبارة بدأ يشير إليها بعض المصطادين في المياه في الخارج تحت عنوان الارتباط التطبيعي العضوي بالإسرائيليين، وتجنب خيارات الصدام لا بل التصدي أحيانا لسلسلة مكائدهم ومؤامراتهم التي تستهدف الأردن دولة وشعبا حصريا.
نعم نقولها بوضوح: عبارة أفق سياسي لا تكفي لبلد مثل الأردن وحدها، دفع ثمنا طوال سنوات لأنه يؤمن بثوابت يعلمها الجميع. ونعم لا بد من تسليط الضوء على هذه العبارة ومعانيها ودلالاتها الواقعية اليوم، بدلا من الاستمرار في تكرارها بمناسبة وبدونها، حتى أصبحت حجة أو ذريعة لمن يصطادون في مياهها، ويحاولون التشكيك دوما بحقيقة الموقف الأردني عبر غياب مفردة الاحتلال الإسرائيلي عن أدبيات النصوص الأردنية، وعبر غياب العمل الجوهري العميق لصالح اليقين الأردني بحتمية قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة، ولو حتى عن طريق ما يسمى بحل الدولتين. حتى في اللغة والمفردات والبيانات على الانتقاء أن ينوع خياراته ويعكس حقيقة مواقف الدولة الأردنية، تلك المعلنة وشقيقتها التي تقال في الغرف المغلقة بخصوص قضية الأردنيين الأولى بلا منازع وهي قضية فلسطين المحتلة.
أي تلميح يستمر بالتشكيك بموقف الأردن قد لا يكون أكثر من محاولة بدائية مسمومة لاستجداء تصفيق ما. لكن نفترض بالمقابل أن على المسؤول الأردني وهو يتحدث للعموم الامتناع عن توفير ذخيرة تؤسس لذرائع يستخدمها المشككون، خصوصا وأن عبارة مثل التكثيف في مساحة الأفق السياسي لا تعني اليوم شيئا، لأن شريك المرحلة الذي نحاول كأردنيين رسميين مساعدته لا بل إنقاذه ونتحدث حصرا عن مائير لبيد يصر بدوره وتحت وطأة خوفنا جميعا من عودة بنيامين نتنياهو على زرع إبرة تخدير أو فتنة في جسد الموقف الأردني بين الحين والآخر.

الشعب الأردني واضح في مشاعره وموقفه فهو لا يفرق بين لبيد ونتنياهو وشامير، فهؤلاء جميعا في وجدان الأردنيين مجرمون قتلة وأوغاد

الشعب الأردني واضح في مشاعره وموقفه فهو لا يفرق بين لبيد ونتنياهو وشامير، فهؤلاء جميعا في وجدان الأردنيين مجرمون قتلة وأوغاد، ومن يتاجر بلبيد أو غيره اليوم يعلم مسبقا أن هذا الصديق المحتمل يصر على اختصار دور الأردن ووصايته في المسجد الأقصى بأباريق وضوء، ويرفض زيادة عدد حراس الأوقاف ووضع كاميرات لا بل يجرح وصاية الأردنيين، وهو يسمح لأفراد من اليمين الإسرائيلي بأداء صلاة تلمودية أمام أحد أهم أبواب المسجد الأقصى خادشا روح الأردنيين، ومتجاهلا ليس مشاعرهم فقط ولكن مصالحهم على الأرض.
نحترم وزير الخارجية الأردنية وأعلم أنه ذات تصعيد عسكري إسرائيلي سابق قالها بوضوح أمامي شخصيا: «العدو واضح ومحدد ومعروف وهو إسرائيل» ونعلم بأن الدبلوماسية الأردنية التي تعكس دولة تحترم نفسها والمواثيق شعرت باحتقان شديد عندما كان مجرم مثل نتنياهو يستقبل دبلوماسيا إسرائيليا قتل مواطنين أردنيين بدم بارد في حادثة السفارة الشهيرة ثم يقترح على المجرم الصغير الاختلاء بعشيقته.
يومها تحديدا جمعني حديث وجاهي مع وزير الخارجية في مناسبة اجتماعية، وأدركت بالسياق حجم الإشكال الناتج عن تصرفات رجل مارق مثل نتنياهو كما وصفه السيد الوزير معي. وبالتالي ومع الاحترام لكل المسؤولين الأردنيين، العبارات والتعبيرات التي تستخدم اليوم مثل عملية السلام نفسها لم تعد موجودة أو مقنعة أو مفيدة، لا بل لا تعكس ما نسمعه وراء الستارة من المسؤولين والسياسيين عن حجم المخاطر الناتجة عن الاضطرار للنوم في فراش واحد مع يمين إسرائيلي أسوأ من شقيقه.
حسنا غياب بعض العبارات الواضحة في التصريحات والإجراءات التي تعقبها أو تمثل تلك التصريحات الواضحة عندما تكون كذلك يوفر حقا ذخيرة للمشككين في أن الأردن بالنسبة له قيام دولة فلسطينية عقيدة سياسية.
ما كان يصلح منذ عام 1994 لا يصلح اليوم والواقع تغير، والسرطان الإسرائيلي خطر على نظام الأردنيين، ولا يمكنه أن يكون شريكا يوما، ولا يعني قولنا بذلك المجازفة والمغامرة وإعلان الكفاح المسلح أو الخوض في حرب.
كل المطلوب مراقبة مفرداتنا عندما نقولها. كل المطلوب أن نتذكر دائما بأن عبارة «أفق سياسي» تجاوزها الواقع وأصبحت معلبة.
كل المطلوب أن نصف الكيان بأنه محتل، كلما ورد اسمه في أي تصريح أو بيان رسمي له علاقة باستقبال ضيف مثل وزير الخارجية اليمني أو بنبأ يتلى على نشرة الأخبار الرسمية كلما ذكرت فلسطين على الأقل تلك التي في حدود عام 1967 وفي قطاع غزة.
من المؤسف للغاية أن الخطاب الرسمي الأردني لا يطلق وصف المحتل دوما على العدو، ويتمسك بعبارات معلبة أحيانا لم تعد تعني شيئا، ويصر على التعامل مع قطاع غزة فقط من زاوية إنسانية دون أدنى انتقاد للحصار على أهل القطاع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى