الأردن وإسرائيل في «الاختبار المؤجل»: معركة «الأقصى» بدأت ومعها «مخاطر الهدم» وتقويض «الوصاية»
أدبيات غير مسبوقة في بيان وزير الأوقاف ضد «الشراكة والتقسيم»
يمكن الاستدلال على تفاعل الأردن مع مخاطر الاشتباك الإسرائيلي تحت عنوان دوره والوصاية الهاشمية من خلال التصريحات النارية التي أدلى بها، بعد ظهر الأحد، وزير الأوقاف الدكتور عبد الناصر أبو البصل.
أبو البصل، وهو وزير مسيس للأوقاف، تحدث عن التاريخ وأعلن بأن الاحتلال إلى زوال، مشدداً على أن المسجد الأقصى للمسلمين فقط، وعلى أنه غير قابل لـ «المشاركة أو التقسيم».
العبارة الأخيرة لها دلالة عميقة خصوصاً عندما يعلنها وزير معني بالشؤون الدينية، حيث تسريبات عن وصفة أمريكية جديدة تحاول المساس بالدور الأردني في المسجد الأقصى. وحيث- وهذا الأهم – قفزة مفاجئة لسيناريو قديم بعنوان التقاسم المكاني والزماني، وهي قفزة مرفوضة أردنياً بصورة غير قابلة للتفاوض، يعبر عنها اليوم وزير الأوقاف عندما يؤكد بأن المسجد الأقصى غير قابل للمشاركة أو التقسيم.
يعني ذلك أن المؤسسة الأردنية العميقة تقرأ الأحداث الأخيرة، حيث اقتحمت قطعان المستوطنين المسجد الأقصى برعاية جيش الدفاع الإسرائيلي وعبثت بمحتوياته ودعمت التخريب واعتدت على المرابطين واعتقلت بعضهم، إضافة إلى حراس المسجد من الكادر التابع للوزير أبو البصل. بالعادة، يتجنب وزراء الأوقاف الأردنيون الاشتباك مع المؤسسة الإسرائيلية ولا يتحدثون عن الاحتلال.
بالعادة أيضاً، يترك وزراء الأوقاف عند حصول اعتداء في القدس المسألة للمستوى الدبلوماسي ولوزارة الخارجية، الأمر الذي خالفه هذه المرة الوزير أبو البصل، في إشارة ضمنية على أن معركة الدور الأردني في القدس بدأت تخضع لمزيد من الضغوط.
في المقابل، قدمت وزارة الخارجية رسمياً مذكرة احتجاج للجانب الإسرائيل، وحذرت من أي محاولة لدعم هذه الاعتداءات التخريبية. وهذا النمط من المداهمة في باحة الأقصى تحديداً صعد إلى الواجهة بعد الموقف الذي عبر عنه الملك عبد الله الثاني في قمة مكة الأخيرة وبعد استقباله لكبير المستشارين في البيت الأبيض جاريد كوشنر، في لقاء تؤكد غالبية المصادر أنه كان جافاً من الأمريكيين، واستثمره العاهل الأردني للتأكيد على ثوابته المعلنة بخصوص حل الدولتين والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين.
الوزير أبو البصل كان قد أكد لـ»القدس العربي» أن الرعاية الأردنية والوصاية ملف غير قابل للمرونة أو التسييس أو التفاوض. لاحقاً، فاجأ أبو البصل الجميع بإعلان لم يسبق أن صدر باسم مسؤولين أردنيين، وهو يقول بأن المملكة الأردنية الهاشمية ستواصل دعمها للمرابطين.
بمعنى آخر، استفز الجيش الإسرائيلي بحمايته للمستوطنين الذين هاجموا المسجد الأقصى أمس عمق القرار الأردني، وخلف الستارة بدأت اتصالات أزمة مع دول عربية وإسلامية وأوروبية تحت عنوان اتجاه إسرائيل نحو تقويض الوصاية الأردنية في المسجد الأقصى.
ترتاب غرفة القرار الأردني هنا بالتوقيت، حيث أفاد تقرير اطلعت «القدس العربي» على مضمونه لكادر الأوقاف الأردني، بأن الهجمة الأخيرة كانت منظمة ودعمتها مفرزة الاحتلال العسكرية المحيطة بالمسجد. وبلغة أدق، يؤكد كادر الأوقاف الأردني المتخصص بأن الهجمة كانت مقصودة وليست انفعالية.
وخلافاً لكل مرة، لم تستهدف مواقع قريبة من حائط المبكى، ولا الباحات، بقدر ما استهدفت المسجد الأقصى حصرياً وصالاته الداخلية، في سلوك غير معتاد من المستوطنين المتطرفين الذين يحاولون الاعتداء بالعادة على مواقع في حرم المسجد وليس على المصليات داخل المسجد.
في كل حال، قرأت المؤسسة الأردنية ما حصل باعتباره رسالة سياسية وأمنية بامتياز من اليمين الإسرائيلي ضد الوصاية الهاشمية. عملياً، الانقلاب الإسرائيلي على الدور الأردني يبدأ من خلخلة هذا الدور في المرفق الأهم بالأوقاف الإسلامية، وهو المسجد الأقصى نفسه.
وعملياً، لاحظت الغرفة الأردنية بأن قطعان المستوطنين سبق أن تحرشت بالمرافق المسيحية أيضاً داخل الحرم المقدسي، ولوحظ بأن الفاتيكان هنا لم يتدخل ولم يعترض رغم التواصل مع ممثليته في عمان.
الأدبيات التي استعملها وزير الأوقاف أمس في بيانه تدلل على ما سبق أن حذر منه رئيس الوزراء الأردني الأسبق طاهر المصري عندما قال لـ «القدس العربي»، الأسبوع الماضي، بأن تقويض المسجد الأقصى تجديداً ومحاولة هدمه هي الأولوية اليوم بالنسبة لليمين الإسرائيلي. ولا يعتبر المصري الاعتداءات المنظمة على الدور الأردني وعلى مرافق المسجد الأقصى مجرد رسائل سياسية بقدر ما هي تدشين لخطة محكمة تستثمر في لحظة الغفلة السياسية وتقصد في النهاية إزالة المسجد الأقصى.
لم تصل الحكومة الأردنية بعد إلى استنتاج من هذا النوع. لكن ردة الفعل في وزارتي الخارجية والأوقاف، على الأقل، تجاه هجمة أمس الأول المنظمة، تدلل على قناعة مركزية في عمان بأن إخراج الأردن من المسجد الأقصى أصبح الآن هو الهدف.