الأردن واختبار البنية التحتية بعد “المسبح الروماني”: سقوط إداري في مواجهة “المطر”
يعود الأردنيون للقصة نفسها من أولها… عاصفة مطرية تسقط تماما البنية التحتية وتكشف عيوبها و”الجاهزية” لطوارئ الشتاء تفشل في الامتحان مجددا وكل ذلك يحصل حصريا في عمان العاصمة فيما تعلن بلديتها وبدون تردد بانه لولا إجراءات الصيانة لكانت الكارثة أسوأ بكثير.
حصل ذلك للعام الثالث على التوالي، بالرغم من تغيير من يترأس جهاز البلدية ومجلسها المركزي مرتين على الأقل.
بمعنى آخر البنية التحتية بدت متهالكة وغير قادرة على استيعاب أولا مستجدات الحالة الجوية والطقس.
وثانيا المسار الديموغرافي لمدينة يتردد أنها صممت لخدمة مليوني إنسان وهي تستوعب الآن ستة ملايين على الأقل ويسكنها على الأرجح بشكل دائم نحو خمسة ملايين إنسان بينهم مئات الآلاف من اللاجئين والأجانب.
في المشهد المحلي الأخير ومع ظهيرة الخميس الماضي أصبح وسط مدينة عمان التجاري الذي يعد بالحركة والتجارة والنشاط أشبه بمدينة أشباح تسبح في المياه.
غمرت المياه المناهل وشبكات التصريف والتهمت بضائع في المحلات التجارية بالملايين وغرق مواطنون وشوهدت ولأول مرة في تاريخ الشتاء الأردني سيارات تسبح بالمياه وبالعشرات وسط ذهول سكان عمان وأهلها غير المعتادين على مثل هذه المشاهد.
وتحولت الساحة المحيطة بالمدرج الروماني إلى صورة تم تناقلها بكثافة مع وسم “المسبح الروماني”.
في الأثناء كان المواطن المراسل ينشط وينقل حرفيا ما يحصل ويكشف عورة البنية التحتية رغم ان جهاز أمانة العاصمة صرح علنا بأنه مستعد لحال الطوارئ القصوى واستعد تماما للمنخفض الجوي الأخير قبل الكشف عن وقوع ضحايا ومفقودين وخسائر بالملايين.
وسط فعالية المواطنين والتجار وهم يلتقطون الصور لكل شيء تمكن المراقبون من رصد تاجر يلطم على الهواء مباشرة مناشدا الملك شخصيا التدخل، كما شوهدت سيدة عجوز تنقلها جرافة وسط المياه ومواطن يدعو الله بأن ينتقم من جميع مسؤولي البلدية.
تتراكم كل هذه المؤثرات والمشاهد في الوقت الذي تغيب فيه عن المشهد عمدة العاصمة الشواربه الذي كان مشغولا حسب تصريح رسمي بشرح إمكانات الاستثمار في مدينته للفعاليات التي تشارك في مؤتمر لندن لدعم الاقتصاد الأردني.
بسرعة تبادر إلى ذهن الأردنيين وهم يلامسون حقائق وضع البنية التحتية لعاصمتهم ان يستفسروا من الشواربه عن تلك البنية التي سيتحدث عنها للخواجات في الوقت الذي قدر فيه الخبراء بان خسائر “الشتوة الأخيرة” التي كشفت عيوبا حتى في “إدارة الأزمة” قد تقارب مبالغ النقد المالي المباشر التي ستقدم للأردن بعد مؤتمر لندن أو قد تقترب من جزء كبير منها على الأقل.
الأهم والذي يحصل لأول مرة ان المياه المتجمعة اقتلعت معها الخلطات الاسفلتية في الشارع الرئيسي في منطقة سقف السيل التراثية حيث يعبره نحو ربع مليون مواطن يوميا على الأقل ويعتبر من أقدم وأعرق شوارع عمق المدينة.
المشهد بات مفتوحا أيضا على مطالبة شعبية ليس بتعويضات مالية فقط بل بسجن ومحاسبة جميع المسؤولين عن الإخفاق في الجاهزية في الوقت الذي أعلن فيه مجلس البلدية بأن الأجهزة اشتغلت بكل طاقتها.
سياسيا يطالب الحراك الشعبي برأس عمدة العاصمة يوسف الشواربه وبجميع قادة البلدية كما يطالب بفتح ملفات عطاءات الشوارع الفاسدة التي جرفتها أول السيول وبصورة غير مسبوقة وسط قناعة تنمو وتزداد بسبب غياب مبادرات الإصلاح الإداري بأن وضع البنية التحتية خصوصا في شبكات الصرف والطرق العامة الكبيرة “لم يعد يطاق”.
ما كرس قناعة الرأي العام بأزمة المصداقية والتشكيك بالجاهزية هو الإعلان وفي يوم العاصفة المطرية نفسه الخميس الماضي عن مقتل خمسة مواطنين في حادث سير جديد على الطريق الصحراوي الذي يسميه الأردنيون “طريق الموت” بسبب كثرة الحوادث فيه وتأخر مشاريع صيانة وتمديد الشارع.
في كل الأحوال سياسيا وإعلاميا وحتى شعبيا حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز هي التي سقطت بالتقييم العمومي في امتحان البنية التحتية الجديد وبطريقة دراماتيكية لا ينفع معها الحديث عن مشروع نهضة وطنية أو إصلاح سياسي أو حتى دولة إنتاج وعلى أساس قناعة بدأت تعبر عن نفسها أكثر أن حديث الحكومة عن بنية تحتية مؤهلة لإستثمارات ضخمة قد يخالف الواقع ولا يمكنه ان يقنع الأطراف الدولية المهتمة أو تلك التي يتوجب ولأسباب سياسية أن تظهر اهتمامها.
طبعا ذاكرة الشارع الأردني ستزدحم الآن بالذكريات الأليمة لفترة أطول قليلا خصوصا وأن منطقة وسط المدينة العريق حولها الفيضان المطري الأخير إلى “منطقة كارثة” تجارية على حد تعبير رئيس غرفة التجارة خليل الحاج توفيق وهو يصدر بيانا يطالب فيه بـ”التحقيق مع التعويض” للقطاع التجاري.