الأردن: وزارة الأوقاف وسط «تجاذب» مراكز القوى بعد «إلغاء» مؤتمرها الضخم للتضامن مع القدس
يعاني وزير عميق في الرأي والتحليل في الحكومة الأردنية مثل وزير الأوقاف الشيخ الدكتور عبد الناصر أبو البصل مما يمكن وصفه بـ «خشونة غير مبررة» سياسياً وبيروقراطياً في التعامل معه، سواء من قبل رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في واقعة مكبرات الصوت الشهيرة في المساجد، أو من جهة زملاء له معنيين بالملف السياسي والدبلوماسي على هامش المؤتمر الملغى أو المؤجل والضخم، الذي كان أبو البصل ينوي عقده تحت عنوان «دعم القدس وتكريس الوصاية الهاشمية» على أوقافها.
بالنسبة للملف الثاني، يقدر المطبخ الدبلوماسي بقيادة الوزير أيمن الصفدي بأن الحاجة غير ملحة الآن للتركيز أكثر على ملف القدس خلال هذه الفترة العصيبة إقليمياً ضمن حسابات دبلوماسية دقيقة ترى أن المملكة قدمت أكثر ما يمكنها في جزئية الدفاع عن القدس.
مساحة الاشتباك والاحتكاك حصلت بين الوزيرين، الصفدي وأبو البصل، قبل أيام فقط من مؤتمر ضخم كان الثاني ينوي عقده في عمان في العشرين من الشهر الجاري بالتعاون مع عدة هيئات وطنية وإسلامية وعربية، من بينها لجنة فلسطين في البرلمان.
تم اختيار نحو ألف شخصية للمشاركة في هذا المؤتمر المؤجل الآن.
معاملة «خشنة» مع أبو البصل… الرزاز ألغى تعميماً والصفدي انتقد «سلوكيات» الوزير
والوزير أبو البصل حصل على كل الموافقات اللازمة من جميع أركان الدولة ومؤسساتها عندما تقدم في هذا الاتجاه، في الوقت الذي وجهت فيه عبر طاقمه رقاع الدعوة فعلاً إلى المئات من الشخصيات. لاحقاً، وفجأة، يبدو أن حسابات وزارة الخارجية تقاطعت مع جهد وزارة الأوقاف.
ذلك يحصل دوماً وبكل الأحوال. لكن الخشونة كانت بادية على خطاب نخبة من المسؤولين حاصروا الوزير أبو البصل عملياً وأحرجوا خطته باتجاه المؤتمر المشار إليه، وتقرر التراجع عن الفكرة بعد ملاحظات سمعها الوزير العالم تميزت ببعض القسوة، ويعتقد سياسياً أنه لا يستحقها بعنوان الإدلاء بتصريحات واتخاذ قرارات واتجاهات «تحرج الدولة سياسياً».
مثل هذه التهمة، في كل الأحوال، طالما كانت المفتاح لتخفيض سقف مشاريع وأفكار وبرامج حيوية ومبادرات لرموز وأشخاص يحاولون الاختراق.
بكل حال، تراجعت الحكومة عن مؤتمرها الداعم للقدس، الذي كان يفترض أن تحضره شخصيات إسلامية بارزة وذات حضور دولي، بما فيها شخصيات محسوبة على حركة حماس وروابط علماء المسلمين وجماعة الإخوان المسلمين، وهو السبب المرجح الذي دفع وزراء آخرين وموظفين في الدولة للانقضاض على المشروع وصاحبه تجنباً لإثارة الحساسيات مع أركان النظام الرسمي العربي الصديق والحليف.
ما حصل في الإطار يعني بوضوح أن حكومة عمان، ولأسباب غامضة لكن قد تكون عميقة، قررت التخفيض من سقف الحديث عن ملف القدس. وهذا التخفيض مؤشر على أن الدولة العميقة تشتبك مع تفاصيل غير مرئية ولديها حسابات خاصة من المرجح أن لها علاقة بالمنطق المقرر سابقاً بعنوان «العمل ضد صفقة القرن الأمريكية من داخلها».
يحصل ذلك بطبيعة الحال رغم أن مؤتمر الوزير أبو البصل المقموع كان يمكن استثماره كورقة ضغط لصالح موقف الدولة الأردنية المبدئي والذي لا يقبل حتى التفاوض في مسألة القدس والرعاية الهاشمية، وهو نفسه الموقف الذي يعتقد بأن الاقتصاد الأردني اليوم يدفع ثمنه.
بعيداً عن الموضوع، أُجهضت فكرة وزير الأوقاف بقدر من الخشونة وتراكمت إلى جانب الموقف الشهير لرئيس الوزراء قبل نحو شهر، عندما ألغى عبر الإعلام تعميماً داخلياً ضمن صلاحيات وزير الأوقاف، له علاقة بنظام مكبرات الصوت في المساجد.
آنذاك، كان الوزير أبو البصل في زيارة عمل للسعودية على الأرجح، وفوجئ-كغيره من المواطنين – برئاسة الوزراء تصدر بياناً تقول فيه إن تعميم مكبرات الصوت في المساجد ألغاه الرزاز وبدون الرجوع للوزير المختص، مع إضافة عبارة فيها تهمة مباشرة للوزير تقول بأنه لم يتشاور حول تعميمه الملغي مع مجلس الوزراء، مع أن كل الاجتهادات الدستورية والبيروقراطية تنص مبكراً على أن التعميم المشار إليه ضمن صلاحيات إدارية صغيرة للوزير وليس من النوع الذي ينبغي أن يتشاور فيه مع آخرين.
في الأثناء، يبدو أن وزارة الأوقاف لم تتمكن من حسم قرارها بخصوص تصوير فيلم أمريكي في أحد مساجد العاصمة، في مؤشر على أن جهات أخرى تدخلت وسعت أيضاً لإحراج الوزير أبو البصل الذي لم يعد يخفي شعوره ببعض الألم الشخصي جراء طريقة التعاطي معه بدون مبرر. ولم يعد يخفي، في المقابل، ميله لمغادرة الحكومة أو إخراجه منها في أول تعديل وزاري وشيك. بهذا المعنى يمكن القول، وسياسياً أيضاً، إن وزيراً مختصاً وفنياً ويبحث عن امتداد في عمق المعادلة الإسلامية العربية مثل أبو البصل، وجد نفسه في ثلاثة مفاصل على الأقل في منطقة التزاحم الضيقة بين مسؤولين نافذين.