الأردن ومكاسب أو خسائر «الابتعاد» عن المحور السعودي – الأمريكي: عبارة «خطوطنا الحمراء» ترسم «الممكن والمستحيل»
«يناور» في العيد بين مكة والمنامة والرباط والقدس
واحد من تجليات الإصرار الأردني على تكرار نغمة الخطوط الحمراء، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بصفقة القرن وملف القدس وعملية السلام، تتمثل في تلك المكاسب والعوائد الدبلوماسية التي تستعرضها غرفة القرار الأردنية بين الحين والآخر.
في قياسات مؤسسة العمق الأردنية ثمة أسباب وجيهة لتجنب الصدام المباشر أو إعلان الانفصال في السياسة والعمل الدبلوماسي عن المحور الأمريكي السعودي. وثمة أسباب بالمقابل تدفع للاعتقاد بأن الفرصة متاحة، وخلافاً لما يعتقد مراقبون كثر، لهوامش مناورة بالموقف السياسي يمكن أن يتسلل منها الأردن دفاعاً عن مصالحه الحيوية والأساسية، خصوصاً بعد إقرار مجلس السياسات في اجتماع عميق قبل أكثر من أسبوعين وبإجماع أركان الدولة على أن المقترح الأمريكي بخصوص القضية الفلسطينية ليس من الصعب نفاذه فقط، لكنه أقرب إلى صيغة الانتحار، أو بالحد الأدنى المجازفة الكبرى، إذا ما تقرر التفاعل معه أو السماح له بالعبور أصلاً.
لذلك، سياسياً وإعلامياً، يمكن ملاحظة أن خطاب ملك الأردن عبد الله الثاني يتحدث عن «ضغوط خارجية» بالجملة أينما وردت عبارة «موقفنا الثابت.. خطوطنا الحمراء».
بمعنى، يقرر مركز القرار الأردني ليس تحدي الضغوط الخارجية..لا بل ملاعبتها وفقاً لما تتيح له الإمكانات بعد إدراك العقل العميق للدولة أولاً بأن المطلوب من الأردن ضمن معطيات ما يسمى بصفقة القرن من النوع الذي لا يمكن قبوله.
وثانياً بأن الفرصة متاحة للمناورة في الهامش والإفلات من حلقات الضغط ومراوغتها. لذلك، يعتقد أن الخطاب الأردني التزم في قمة مكة بأمن دول الخليج، لكنه كرر على مسامع المستشار الأمريكي، النجم جاريد كوشنر، لاءات ملك الأردن الثلاث بعنوان فيتو على الوطن البديل والتوطين وعلى ضم القدس، مع التمسك بخيار الدولتين تناغماً مع موقف أوروبي يعلن تبني هذا الاتجاه.
في الوقت نفسه، وفي إطار الملاعبة نفسها، يحضر عاهل الأردن اجتماعات مكة، وقد تشارك عمان بوفد تمثيلي متوازن في لقاء المنامة المثير للجدل بالرغم من أن الملك الأردني أعاد التأكيد على خطوطه الحمراء ورفض التراجع عن موقفه المعلن في لقاء التهنئة الأولى له بمناسبة العيد لأهالي ورموز مجتمع مدينة القدس، مطالباً إياهم بتوحد خطاب الكنائس والمساجد معاً، وملمحاً مجدداً للضغوط الخارجية .
يمتدح ملك الأردن في اللقاء نفسه موقف «ابن عمه» الملك محمد السادس، ويعلن تنسيقاً يومياً مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في الوقت الذي يستثني فيه من التنسيق الأصدقاء والحلفاء في النادي السعودي، ليس لأغراض المناكفة ولكن لأغراض الواقع الموضوعي، حيث يؤكد جميع المسؤولين الذين التقتهم «القدس العربي» بعدة مناسبات بأن الأردن والسلطة وحدهما فقط في المجال الحيوي للاشتباك مع إسرائيل والإدارة الأمريكية في ملف القدس تحديداً.
في الأثناء، يمكن القول بأن الشكر العلني الذي تقدم به عاهل الأردن للملك محمد السادس مؤشر على تمكن عمان من تحقيق اختراق في الجبهة المغربية بما يضمن رئاسة لجنة القدس المغربية في موقف إيجابي مع الوصاية الهاشمية وضد أي مشروع للمساس بها. ويدافع «الوصي» الأردني بشراسة عن دوره في القدس والقضية الفلسطينية.
أجواء وتوقيت عيد الفطر السعيد حول ضفتي نهر الأردن كانت المؤشر الإضافي على تباعد كبير بين الأجندتين السعودية – الأمريكية من جهة والأردنية – الفلسطينية من جهة أخرى.
استمعت «القدس العربي» مباشرة لوزير الداخلية الأردني سلامة حماد وهو يتحدث عن تأطير اتجاه وطني للتعامل مع الضغوط الخارجية. كما نُقل عن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز رأي رسمي يقدر أن الاستعداد ضروري جداً لمرحلة مقبلة لا محالة بعنوان الاعتماد على الذات والاستعداد لما بعد المساعدات، خصوصاً السعودية أو الخليجية، وفي أسوأ السيناريوهات الأمريكية أيضاً في الأقنية الضيقة. في القرار الأردني تم تكريس مبدأ مواجهة الضغط الخارجي تحت رافعة مالية واقتصادية لتقديم تنازلات سياسية أردنية لها علاقة بالقضية الفلسطينية.
المناخ العام في غرف القرار الأردني المغلقة جداً يتحدث عن كلفة الاشتباك والرفض وعن عوائده الدبلوماسية في الوقت نفسه.
تلك مقاربة عميقة في القرار الأردني تقترح بأنه من الإيجابي والمنتج والجيد عموماً أن ترسم البوصلة الأردنية للدول الأخرى حدوداً فاصلة بين ما يمكن قبوله وما هو من المستحيل تمويله أردنياً. وقال مسؤول رفيع المستوى في أحد الاجتماعات بأن تلك في العمق الاستراتيجي من مزايا الجملة الأردنية المعترضة؛ فالآخر اليوم أكثر خبرة وعلماً بما يمكن لعمان أن تشارك به من ترتيبات إقليمية مقابل بما لا يمكنها الموافقة عليه، خصوصاً في سياقات صفقة القرن.
ذلك برأي الغرفة العميقة مفيد جداً اليوم؛ لأن الدول الأخرى بدأت تسمع القيادة الأردنية تكرر الحديث عن خطوطها الحمراء.
بمعنى أن من يحاول مفاوضة الأردن أو الضغط عليه لاحقاً تحت أي عنوان قد يلعب في الهوامش وليس في الأسس المبدأية؛ لأن مؤسسة العمق الأردنية قررت مبكراً بأن غياب دولة فلسطينية مستقلة سيعني في النتيجة إجبار الأردن على دور يرفضه ولا يريده ويخدم إسرائيل فقط في الضفة الغربية.
تلك مجازفة كبيرة بدولتين وشعبين.. هذا حصرياً سمعته «القدس العربي» بالتصريح والإيحاء من وزير الإعلام الأردني الأسبق الدكتور محمد المومني ومرات عدة في الماضي وعلى مدار عامين، كما سمعته مجدداً من الوزير العائد المخضرم سلامة حماد. بمعنى أن الطبقة الأردنية، بصرف النظر عن الحكومات، مجمعة تماماً على خطوط الملك الحمراء.