الأردن ومناخ 1989: «السيادي» عابر للحكومة والإصلاح السياسي «مكانك سر» والشارع يستعد لجولة جديدة
حاول العشرات من المعلقين والنشطاء الأردنيين مباشرة بعد الإعلان عن آخر تعديل وزاري مساء الخميس الماضي تذكير الرأي العام بأن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز خريج جامعة هارفرد، وسط اجماع وطني غير مسبوق خصوصا على منصات التواصل على أن تعديل وزارة الرزاز كان هزيلا للغاية.
لا توجد مسوغات حقيقية تشرح سبب صدمة الشارع من التعديل الوزاري خصوصا مع وجود ثلاثة وزراء من خريجي هارفارد يتهمهم الشارع أصلا بالانفصال عن الواقع.
قبل التعديل كان الرزاز منشغلا وفي الأوساط القريبة منه جدا بالتذكير بثلاث مسائل رئيسية، الأولى معنية بتحفظه على ربطه بالتيار المدني فقط وربط حكومته بالتالي، والثانية لها علاقة في كون الملفات السيادية والسياسية قد لا تكون من شأنه ولا يرغب في الاشتباك معها.
والثالثة تنطوي على ترجيح الانشغال حصريا بالإصلاح الإداري والتركيز على التعديل البيروقراطي والتكنوقراطي قدر الإمكان وفي قطاعات محددة.
من هنا حافظ الرزاز على التوازنات التي قفزت بحكومته في أيار/مايو من عام 2018.
لكنه خسر بالمقابل رهانات الشارع والأوساط السياسية والحراك خصوصا بعدما ظهر أن استعانته بالوزير سلامة حماد للداخلية خطوة صعبة جدا وعصية على الشرح والاستدراك إلا إذا كان الأخير قفز إلى الحكومة أصلا بالمظلة وبدون إرادة الرزاز.
في كل حال لا يبدو الرزاز مهتما فعلا بحساب حكومته على التيار المدني بل ثمة من يرى أن التيار المدني لا يشكل نسبة تزيد عن 1 في المئة من مجتمع المتحركين في العمل العام الأردني. وثمة من يرى أن رموز هذا التيار في البرلمان على الأقل حجبوا الثقة عن الرزاز مثل النائبين خالد رمضان وقيس زيادين وبالتالي خذلوا رئيس الوزراء الذي لا يجد نفسه معنيا أن يحسب على تيار مدني غير موجود بصورة مؤثرة في الواقع الموضوعي.
مجددا عندما يتعلق الأمر بالاشتباك السياسي يعزل الرزاز نفسه مع حكومته عن ملف شائك مثل الإصلاح السياسي.
ومجددا يستغرب الرزاز بعد دراسة هرمية جديدة لفريقه ان يطلب منه أساسا الاشتباك مع الجدار السيادي في إدارة الدولة، فقد اختير رئيسا للوزراء قبل أوانه لأغراض محددة بدقة لها علاقة حسب خبير استثنائي في إدارة الاقتصاد الأردني بمحاولة نفض الغبار عن هياكل الدولة المترنحة إداريا وبيروقراطيا.
عمليا فاتت على الرزاز تماما وبكل اللهجات واللغات فرصة تدوين اسمه في سجل التاريخ السياسي المعاصر.
وعمليا وجه عبر تعديله الوزاري الأخير أسوأ رسالة يمكن ان توجه لحراك الشارع خصوصا في ظل عجزه الواقعي عن تحسين ظروف الناس الاقتصادية، الأمر الذي سيبرر طبعا لاحقا لنشطاء حراكيين العودة لتنظيم صفوفهم والخروج للشارع.
عندما يتعلق الأمر بالإجراء والمضمون الوطني فاتت على الرزاز فرصة استقطاب نقابيين أو إسلاميين أقوياء على طاقمه خصوصا وانه قرر التعديل في لحظة كان فيها قويا جدا داخل أعماق الدولة وبلا منافسين أو أوصياء على حكومته.
الأكثر خطورة وحساسية في تفويت الرزاز لسلسلة كبيرة من المفاجآت السياسية السارة تتمثل في أن حكومته أصبحت وخلافا للوظيفة المفترضة للتعديل الوزاري وزارة آيلة للسقوط في أي لحظة خصوصا إذا ما رفع الحراكيون بعد عودتهم للشارع سقف الهتاف والمطالبة.
وخصوصا أيضا إذا ما تطورت تلك النغمة في أعماق الحرس الكلاسيكي والدولة التي تبقي المجال مفتوحا أمام الرغبة في تقديم الرزاز وطاقمه بجديده وقديمه كبش فداء للحفاظ على الاستقرار العام في أي لحظة تعود فيها البلاد إلى صخب الهتاف والحراك بمعنى العودة للمناخ الذي قفز بالرزاز عندما سقطت حكومة الرئيس هاني الملقي.
وبمعنى عودة ما يسميه خبراء خبثاء بوصفة سريعة لمناخ عام 1989.
هنا حصريا ثمة محظور واضح تماما، أن الراز وهو يطبخ ويعزف منفردا لم ينتبه له فالرجل قرر التعديل في الوقت الذي تطالب فيه شرائح متعددة في المجتمع بإسقاط النهج برمته وليس الحكومة.
وعليه فاتت فرصة ان يظهر الرزاز للجمهور بانه رئيس الوزراء الذي سيسقط أو يعمل على إسقاط السلبي في النهج بطريقة وادعة وآمنة ومن داخل النظام في مؤشر على أن الرزاز هو الآن وبعد التعديل الوزاري الباهت جدا والذي صدم الجميع سيحفر حفرة تقع فيها حكومته وتحديدا في اللحظة التي يعود فيها الشارع وبصخب أكبر للمطالبة بإسقاط النهج.
إذا طالب الشارع بإسقاط النهج مجددا لن يكون أمام القرار إلا السيناريو المألوف وهو إسقاط الحكومة ورئيس الوزراء وتلك محطة وضع الرزاز نفسه فيها سياسيا بقرار مجاني وذاتي متبرعا بأن يسقط مع حكومته معا في أقرب فرصة أو منعطف.