الإصلاح السياسي في الأردن عشية «صفقة القرن»: كل الاحتمالات واردة… والرزاز «رجل المرحلة» وأوراقه في «الدرج»
لا يمكن تحديد وترسيم صفقة متكاملة يمكن التوافق عليها لتحديد الخطوة التالية في برنامج الإصلاح السياسي في الأردن بالرغم من إصرار العديد من النخب المسيسة على أن خوض المعركة الحالية في مواجهة ما يسمى بصفقة القرن يتطلب بكل الأحوال مقاربة جديدة في إدارة ملفات الداخل.
وكل الاحتمالات تبدو واردة. لكن ما يعيقها حتى اللحظة هو الجدل القديم نفسه بعنوان الفارق بين كلفة الإصلاح الحقيقي وثمن البقاء إصلاحياً، على الأقل في المساحة الحالية وعنوانها دوماً الحديث عن الإصلاح أكثر من ممارسته. وما يعيق أيضاً هو إصرار مراكز القرار على الحساب والترقب لعاصفة الإقليم المقبلة وميزان الخسائر والمكاسب، ما يؤدي دوماً إلى ربط أي مشاريع لها علاقة بالإصلاح السياسي الداخلي بملفات غير داخلية، من بينها الانتخابات الإسرائيلية، وصفقة القرن إياها، وحتى النسخة الأردنية من لقاء دافوس الاقتصادي. وسط مثل هذا التكتم الغامض ثمة مبادرات في المناخ الداخلي لها علاقة بالاتجاه نحو الخط الإصلاحي.
العودة إلى الداخل… والسؤال يتردد: ما هي الخطوة التالية؟
إحدى المبادرات ما زالت طي الكتمان وفي الإدراج بتوقيع رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، وأخرى قدمها التيار الإسلامي، وثالثة متدرجة يقترحها المستوى الأمني، ورابعة بغير ملامح محددة يصر عليها ما تبقى من حراكات الشارع حيث تتجدد الهتافات ضد الفساد وتطالب بتغيير النهج.
يلتقط ناشط سياسي وإسلامي خبير من وزن المهندس مروان الفاعوري ما هو جوهري في حاجة المناخ الداخلي لجرعات عميقة من الإصلاح، وهو يعتقد بأن المصلحة الوطنية تتطلب العودة إلى جذور العملية الإصلاحية بصرف النظر عن الاعتبارت السياسية. الفاعوري يربط الإصلاح مثل غيره، وهو يتحدث مع وعبر «القدس العربي» عن مصلحة الدولة والاستقرار العام وبترشيد الخطاب العمومي.
طبعاً، يقترح فاعوري وغيره، وسط عشرات المبادرات، تفكيك الجفاء مع الحركة الإسلامية باعتباره ضاراً بالجميع، ويتحدث أيضاً عن مناخ صحي لقانون انتخاب متين وعصري جديد، ويطالب بالعودة إلى روح الميثاق الوطني بنسخة ثانية تؤسس لحزمة من التوافقات في المجتمع المدني الأردني.
لا يرفض رئيس الوزراء الرزاز مثل هذه الأفكار، لكنه يحتفظ بأوراق أفكاره الخاصة بالإصلاح السياسي في جيوب الحكومة، ويدير بعض المفردات والتعبيرات على أساس برامج دولية مطلوبة وتحظى بالدعم المالي تحت عناوين مثل تمكين الحكومة، وتثقيف الشارع، وتنظيم أوراق الشفافية، والحد من الفساد الذي يعيق الحركة تماماً إدارياً في البلاد، حتى بمنطق دول حليفة جداً للأردن مثل بريطانيا.
مؤخراً، بعض المؤسسات المانحة خصصت بعض الأموال لتمتين وتصليب جبهة الحكومة.. تلك إشارة إلى أن الرزاز يتحول على الأقل في ذهن بعض المؤسسات الدولية إلى رئيس حكومة مقبول، وسيحظى بالدعم تأسيساً لمرحلة جديدة لا تزال غامضة.
مثل هذا الدعم في النطاق الدبلوماسي، وعبر ممثلي المؤسسات المانحة الدولية، ينتج في وجه الرزاز بالتوازي مجموعات إضافية من الخصوم والمتحرشين بالحكومة أو من يحاولون إعاقتها مرة من داخل قنوات الدولة وأروقتـها وأجنـحتها ومرة من رموز الحرس القديم والتـيار المحافظ.
يفسر ذلك عملياً عدم حسم أي قرار بصورة مركزية له علاقة بصفحات ملف الإصلاح السياسي. وتدلل القرائن اليوم في الحالة الداخلية الأردنية على صعوبات تواجه برنامج الرزاز المتعلق بما سماه مشروع النهضة الوطني أو وثيقة التنمية السياسية.
وتدلل على مستوى التردد بين التأكيد والنفي في تحديد مصير ملفات أساسية من بينها قانون انتخاب عصري وجديد، وعملية انتخابية شفافة ونزيهة، ومن بينها أيضاً الخطوة التالية في برنامج التطهير من الفساد وفي الاشتباك مع تفاصيله في عمق مؤسسات بيروقراطية تقرر مركزياً بأنها تعاني من فساد إداري أفقي يقاوم التغيير ولا يمكنه التسليم ببساطة بضرورات الإصلاح الإداري. هنا، في التشخيص، مؤسسات بيروقراطية مهمة معنية بإدارة قطاع الخدمات البلدية مرة خصوصاً في العاصمة عمان أو معنية بملفي الضرائب والجمارك في كل أنحاء المملكة.
وهنا الرزاز نفسه يقر في جلسة خاصة وأمام «القدس العربي» بأنه شعر بالصدمة مرات عدة بعدما تلمس شخصياً صلابة المجموعات البيروقراطية التي تقاوم التغيير والإصلاح برأيه، معتبراً بوضوح أن المواجهة هنا معقدة وليست سهلة.
لكن تلك الصلابة التي تخيف رئيس الحكومة وتعيق برامجه قد لا تكون في بعض الأحيان أكثر من وهم إداري يحاول البعض الاستناد إليه في تبرير التقصير أو القصور في ابتكار برامج إصلاح إدارية منطقية وعاقلة وراشدة ومنتجة، حيث تكثر حكومة الرزاز هنا من الكلام على حساب الأفعال، وهو ما لاحظه علناً ثلاث مرات على الأقل لاعب سياسي مخضرم من وزن الدكتور ممدوح العبادي.
وفي الأثناء، مرة أخرى يقر الجميع في الحالة الداخلية الأردنية بضرورة العودة إلى الداخل حتى تتمكن الدولة من مواجهة تداعيات صفقة القرن والاشتباك مع معركة معلنة باسم القدس يقودها القصر الملكي بوضوح.
لكن ما لم تتقرر بعد، لا في قمة القرار ولا في الشارع ولا في القاعدة عند الشارع، الإجابة عن السؤال التالي: ما المطلوب بصورة محددة من أجل العودة إلى الداخل، وما كلفته؟