الإمارات بعد الكويت: الأردن قيد «الابتزاز والمقايضة» السعودية ويتقدم بـ «طلبه الأخير» من «الخليجي»
المطلوب ملياران ونصف كـ «مساعدة أخيرة» ودون المشاركة في مغامرة «الإخوان المسلمين»
لا تبدو العلاقات في مربعها السياسي على الأقل بين عمان وأبو ظبي متميزة جداً واستراتيجية كما كانت في الماضي. لكن وبعد غياب التنسيق على مستوى رفيع لعدة أشهر يمكن القول بأن توقف ملك الأردن عبد الله الثاني على المحطة الإماراتية أمس قد تكون بداية محاولة بدون ضمان نجاحات طبعاً لتحريك مياه راكدة سياسياً عنوانها الأبرز التواصل المباشر وتبادل الإصغاء أفضل من عدمهما.
قد لا تكون أجندة محددة توفرت للقاء القمة الإماراتي الأردني، لكنه بالتأكيد لقاء يحاول التقدم إلى الأمام حتى وإن احتفظ الفرقاء بمواقفهم من ملفات الخلاف.
وهو لقاء أعقب بوضوح وقفة عاهل الأردن، أمس الأول، مع أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، ويتم في الجزء التنسيقي منه على هامش دعوة القمة التي تبنتها السعودية فجأة مع بداية الأسبوع الحالي.
تبادل الرأي والمشورة بين عمان وأبو ظبي قد يكون مهماً مرحلياً ليس لأن لدى الأردنيين توقعات لها علاقة بأزمتهم الاقتصادية فقط، ولكن لأن أبو ظبي قد تحاول العودة إلى لعب دور القناة الخلفية التي يتواصل عبرها الأردني وينقل رسائله لوليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
ذلك دور كانت أبو ظبي قد تعهدت القيام به قبل عامين، لكن القطيعة التامة بين الأردن والأمير بن سلمان فرضت بصماتها على جميع الأطراف طوال العام الماضي، وإن كان الأردن تقارب مع المعسكرين الإماراتي والسعودي محتفظاً بمشاعره المتعلقة بالخذلان الاقتصادي والاستثماري ومؤسساً لمسافة أمان من الصعب إنكارها في المسألة الإيرانية تحديداً.
رغم القطيعة مع مؤسسة ولاية العهد السعودية وبرودة مناخ التواصل مع أبو ظبي، وقف الأردن بجدية في حالة حياد لها علاقة بإيران، وعندما يتعلق الأمر بطهران تحديداً بقي الأردني في نقطة غير متقاربة لا بل أقرب إلى الموقف السعودي والإماراتي.
هنا يعتقد وعلى نطاق واسع بأن الأردن يبذل المزيد من الجهد في محاولة قد تكون يائسة لتفكيك الحصار الخليجي المفروض عليه، فطوال الوقت تجنبت عمان بوضوح تلك النصائح التي صدرت حتى من بعض السياسيين فيها بعنوان تنويع الخيارات والانفتاح أكثر على تركيا وإيران نكاية بالبوصلة السعودية.
هذا التموقع الأردني الحذر لم يحقق نتيجة مع التشدد السعودي، وإن كان حافظ على الحد الأدنى من حسن النية في العلاقات مع الإمارات، التي تخضع قبل قمة مكة المفترضة وبالتزامن مع قمة المنامة الاقتصادية المريبة في أجندتها السياسية، لاختبار تفكيك العزلة أو لنقل الغربة السياسية بين عواصم المعسكر السعودي والعاصمة الأردنية.
لا يراهن الأردنيون كثيراً على قفزة كبيرة في العلاقات مع الإمارات، لكن واضح تماماً أن الشيخ صباح الأحمد، أمير الكويت، يلعب دوراً فاعلاً خلف الكواليس في دفع العلاقات الأردنية مع الإمارات والسعودية إلى منطقة توازن بالتزامن مع توجيهاته الفردية بالتضامن مع الأزمة الاقتصادية الأردنية.
حرصت عمان طوال الوقت على تجنب تنويع خياراتها بتعزيز العلاقات مع إيران حتى وإن كان الثمن جموداً حقيقياً في تنفيذ ومضايقة نحو 15 اتفاقية تجارية وحدودية وجمركية وقعت مع الحكومة العراقية.
قال الإيرانيون وأنصارهم في بغداد مبكراً للسفير الأردني الدكتور منتصر العقلة بأن الدخول للسوق العراقية له بوابة واحدة عملياً وواقعياً، وهو تحسين العلاقات الأردنية الإيرانية.
لم يخطُ الأردن ولو متراً واحداً باتجاه التقارب مع إيران. وساسته يفترضون بأن على الرياض وأبو ظبي أن تقدرا ذلك.
ولم يقرر الأردن عملياً أي تقدم حقيقي في علاقاته مع قطر طوال أزمة الحصار، حتى عندما حوصر هو نفسه بغياب التضامن الاقتصادي والمساعدات، ويفترض المحللون أن يقدر الطرف الآخر أيضاً ذلك.
على الطاولة، بالتوازي، عند البحث مع السعوديين والكويتيين والإماراتيين حاجة أردنية ملحة لمبلغ مالي لا يقل عن مليارين ونصف مليار دولار خلال خمس سنوات، يمكن أن يساعد برنامج الإصلاح الاقتصادي الأردني في تحفيز بيئة النمو الاقتصادي الطفيف وفي تجنب مزالق عجز الميزانية.
ليس سراً هنا أن رئيس الوزراء عمر الرزاز، ورئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز، تحدثا عن هذه المساعدة المالية البسيطة عندما زارا الرياض منذ أسابيع.
وليس سراً أن الكويت متفاعلة حتى الآن، والإمارات كانت في موقع من لا يريد الاستماع، والسعودية مستمرة في تجاهل الطلب الأردني الذي صنف بأنه «بسيط ومقدور عليه» وقوامه منحة تقدر بنصف مليار فقط ولمدة خمس سنوات.
استمع السفير السعودي النشط في عمان، الأمير خالد بين فيصل، إلى مسؤولين أردنيين قالوا له بأن هذا المبلغ يمكنكم اعتباره بمثابة آخر مساعدة يطلبها الأردن.
ثمة أمل اليوم بتفكيك هذه المسألة، خصوصاً وأن القيادة الأردنية تبدو مهتمة بحضور قمة مكة القادمة، كما أن حكومة عمان لا تعارض فعالية المنامة الاقتصادية.
في الأفق وعلى الطاولة أيضاً ما هو أهم وأخطر، حيث عملية ابتزاز سعودية تحاول مقايضة الاستجابة للطلب الأردني الأخير بموقف رسمي يساند السيناريو الإماراتي والمصري في مسألة حظر جماعة الإخوان المسلمين وتصنيفهم بالإرهاب في مجازفة ستكون بالمواصفات الأردنية مغامرة كبيرة جداً لا بد من الاحتيال سياسياً عليها بأي طريقة. وسط هذه الملفات، يزور عاهل الأردن أبو ظبي اليوم، وهي تحوم في أفق العلاقة والتواصل السياسي.