الدولة المدنية… أم «دولتنا»؟: تجاذبات وتصدع وانشقاقات محتملة في «المدني» الأردني و«المعشر» وسط القصف
مزحة برلمانية بتوقيع الزعبي كشفت بعض المستور والتشبيك مع الإسلاميين ممنوع
كانت بالتأكيد ملاحظة ساخرة بقصد المرح، لكنها هادفة في إظهار التباين داخل أجنحة البرلمان الأردني. يقابل عضو البرلمان المخضرم، فواز الزعبي، وهو عائد للتو من زيارة رسمية إلى ألمانيا، بالصدفة زميله محمد هديب.
فجأة يقرر الزعبي، وهو يتمتع أصلاً بقدرة فائقة على التعليقات اللاذعة، مصارحة هديب باكتشاف جديد تبين له في ألمانيا، وهو أن الدولة المدنية أفضل بكثير من «دولتنا التي نعرفها».
وفي اللحظة التي ثار فيه الفضول النائب الثاني، كان الزعبي يطرح اكتشافه مشيراً حصرياً إلى مكان سياحي جداً في ألمانيا قاده إليه أحد أقطاب تيار الدولة المدنية في مجلس النواب.
أغلب التقدير أن ممثل الدولة المدنية أو تيارها كان يقصد الترفيه عن أعضاء الوفد في ألمانيا، وليس أكثر. لكن شخصية طريفة ومخضرمة مثل الزعبي، حاولت المقايسة والمقاربة عبر الإشارة إلى مكان ممتع يدلل على أن الرفاهية والسياحة والمتعة متاحة لدى التيار المدني أكثر من تيار الدولة الكلاسيكي.
في الدارجة الأردنية يقال في مثل هذه العبارات إنها «دغ بـ لغ»، بمعنى أنها تقصد خلافاً لما تبطنه، فمقاصد الزعبي بالتأكيد لها علاقة بإظهار جملة من السخرية تجاه دعاة الدولة المدنية الذين لا يزيد -كما يقول رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز- عددهم بكل حال عن 2 % من الأردنيين.
قد يفهم قادة تيار الدولة المدنية هنا بأن عليهم إظهار قدر كبير من التحفظ عندما يتعلق الأمر بمغامرات من أي نوع مع رموز الحرس الكلاسيكي في البرلمان مثل الزعبي أو غيره.
لا يوجد صراع أصلاً بين تيار الدولة المدنية أو غيره من التيارات، بسبب عدم وجود أصدقاء كثر في الشارع والمؤسسات لفكرة التيار المدني، وبسبب حداثة التجربة في التشكيل والتكوين والتواجد في البرلمان المقتصر على قطبين هما خالد رمضان وقيس زيادين. بكل حال، واضح تماماً أن تيار الدولة المدنية أيضاً منقسم على ذاته بعدما تشكل كحالة متقدمة في الشارع مع الانتخابات الأخيرة، وحظي بمباركة علنية من الأب الروحي للفكرة والمنهج، وزير البلاط الأسبق والمصنف الآن كـ»خصم للدولة».. الدكتور مروان المعشر. وحده من أقطاب تجربة الدولة المدنية، النائب خالد رمضان، أسس في المعادلة لمساحة حراك متقدمة فيها منسوب وطني وخطاب عمومي.
دون ذلك، انقض قادة تجربة الحزب الجديد باسم التيار المدني والدولة المدنية بعضهم على بعض مبكراً بعد سلسلة من الخلافات التي انتهت بتكريس حالة عزلة وانشقاق، ما ينقصه بعد أنه لم يعلن فقط. حالة حرب داخل التيار شنت على الدكتور المعشر حصرياً بالتزامن ومن عدة اتجاهات وبصيغة انقلابية أحيانا ًمن رموز في التيار، أدخلهم هو شخصياً في اللعبة عندما اقترح وأسس ووضع الإطار والفكرة. وعندما كان يقول لـ «القدس العربي» دوماً بأن البديل عن الحركة والتأسيس والإيجابية هو الصمت أو الرحيل.
نقطتان أساسيتان في سياق الخلاف مع الدكتور المعشر برزتا وأطاحتا عملياً بحزب جديد وتجربة تياراتية. ينتقد نشطاء الدولة المدنية من التقدميين واليسارين تاريخياً انغلاق التيار الإسلامي على ذاته وعدم إيمانه بالرأي الآخر.
لكن هؤلاء أنفسهم حفروا الخنادق تحت أرجل الدكتور المعشر اعتراضاً على مقترحه الجديد المتمثل بتشكيل إطار وطني مع الإسلاميين.
ظهر في العامين الأخيرين الدكتور المعشر مرات عدة في مواقع حوار استقطابية برفقة القطب الإخواني البارز الشيخ زكي بني ارشيد.
أغضب ذلك الليبراليين المتقدمين وحتى المقربين من الدولة وحرسها. وأمام «القدس العربي» أقر بني ارشيد بأن الأفق الوطني الإصلاحي الذي يطرحه الدكتور المعشر اعترض عليه كثيرون.
ثمة سبب آخر للخلاف داخل أقنية تيار الدولة المدنية الوليد، وهو متعلق بحجم التقارب أو التباعد عن الملف السوري.
في النتيجة، تشكلت جبهة داخل مشروع التيار المدني الحزبي ضد المؤسس والأب الروحي، خصوصاً أنه بدأ يفكر خارج الصندوق وبصيغة تثير غضب مستويات رسمية وخصوم أيديولوجيين للإسلاميين، في الوقت نفسه، داخل مشروع الدولة المدنية.
حصل ذلك مع العلم بوجود صعوبات معقدة في التمييز بالخطاب والمعنى والأدوات بين ما يسمى بالتيار المدني وما يعبر عن نفسه باعتباره حزب الدولة المدنية، الذي وجد مساحات صغيرة ومشتركة أحياناً مع خطاب الدولة الرسمي، كان من بينها استهداف الدكتور المعشر، ثم استهداف أي مشروع للتربيط أو التشبيك أو حتى التنسيق على أساس وطني بين جبهات الحركة الإسلامية ومجموعات التيارات المدنية.
ذلك هو الواقع داخل مجموعة الدولة المدنية التي تناضل بدورها للصمود وتزعم أنها تقاوم سحر الزعيم الأوحد وبصمات التجبر والسيطرة التي ظهرت مبكراً عند المعشر أو غيره.
في المقابل، تصبح مزحة النائب الزعبي أقرب إلى صيغة رش الملح على جرح تيار الدولة المدنية، لأن أغراض هذه المزحة لا يمكنها أن تكون بريئة حتى وإن كان أحد أقطاب التيار هو الذي حاول إدخال البهجة في غير مكانها.