الرزاز ترك ملف الإصلاح السياسي في “ثلاجة المعشر”.. والأردن بطرح السؤال الانتخابي القديم: كيف يقاس “الولاء”؟
ما الذي يعنيه بصورة محددة الولاء في الحالة الأردنية ؟.. كيف يمكن قياسه؟
يعود الجدل إلى المربع الكلاسيكي داخل الخلية التي تحاول مبكراً برمجة أو توقع أو محاولة ترسيم شكل وهوية البرلمان الأردني المقبل في عام 2020، الذي يفترض أن يساهم في قيادة البلاد في مرحلة حرجة للغاية إقليمياً وسياسياً ومفتوحة على الاحتمالات اقتصادياً، وتشهد -وهو الأهم-تصعيداً كبيراً في العودة إلى مرتكزات الدستور حيث مساحة أفقية لمؤسسة ولاية العهد.
الجدل المبكر داخل خلايا العصف الذهني في دوائر القرار بعنوان شرط الولاء لتقديم ودعم نخبة من القيادات الجديدة في المجتمع عبر البرلمان-ينعش كل الذكريات الحزينة عملياً، التي تختص أولاً بصنف ونوع الولاء المطلوب، وتوحي ضمنياً بأن الحالة الذهنية في القرار لم تصل بعد إلى الإيمان برشد المجتمع الأردني، أو إلى تجربة تنظيم انتخابات عامة لمرة واحدة فقط بدون “توجيه أو تدخل”.
يضغط من تبقى على قيد الحياة في الواقع السياسي من الحرس القديم، اليوم، باتجاه عدم المجازفة بسلطة برلمان تشريعية إصلاحية.
يعيد هؤلاء، كما يحصل في كل موسم انتخابي، إنتاج كل معلبات المخاوف في أروقة وأقنية الدولة العميقة، التي على السطح.
في الهمس الانتخابي الأردني خلف الستارة، يعرض الكلاسيكيون أو الذين لا يؤمنون أصلاً بالديمقراطية بضاعتهم القديمة نفسها وهم يحاولون العبث بفكرة “تمكين الشباب” وصناعة رموز جديدة في المجتمع.
كالعادة، مرة تخويف النظام والقرار والدولة من الوطن البديل. مرة أخرى، عدم السماح للإخوان المسلمين بالعبور، على اعتبار أنهم خطر ماحق، مع أنهم طوال الوقت من أبرز مؤشرات الاستقرار الاجتماعي.
ومرة ثالثة، العزف المتواصل على وتر عدم أهلية المجتمع للإصلاح، وبالتالي المساس بقواعد التمثيل الديمقراطي.
يمكن ببساطة استنتاج تأثير بصمات محترفي الهواجس والتخويف حتى على شخصية إصلاحية أو يفترض أنها إصلاحية من وزن رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز، الذي لا يوجد ما يمنعه من الإشارة إلى أن دعاة المواطنة والدولة المدنية والإصلاح السياسي والديمقراطيين ليسوا وحدهم في المجتمع، لا بل قد يشكلون النسبة الأقل منه.
تبدو طبعاً نغمة لا تشبه خلفية الرزاز الثقافية والفكرية والسياسية، لكنها رسالة تطمين لكل مراكز القوى التي تحتكر في الواقع مواقع الصدارة والقرار وحتى طبقة التكنوقراط والبيروقراط.
ذلك قد ينطوي على تكتيك وزاري لأغراض الصمود والبقاء لا خلاف عليه.
لكن عندما يتعلق الأمر بهوية نظام الانتخاب المقترح للنسخة المقبلة من برلمان الأردن العام المقبل، فثمة أجندات اليوم وتصورات متنافسة إذا لم نقل متنازعة قليلاً.
جناح مسيس وشاب في حكومة الرزاز يدفع باتجاه أن تجرب الحكومة حظها في ملف الإصلاح السياسي وعبر قانون الانتخاب.
ليس سراً أن هذا الجناح يميل إليه وزير الثقافة والشباب محمد أبو رمان، وتتحمس له وزيرة الاتصال جمانة غنيمات، ويمكن أن تدعمه شخصية وزارية وازنة بخبرة سياسية وبرلمانية عريضة من طراز وزير الشؤون البرلمانية مبارك أبو يامين.
عبرت غنيمات مؤخراً نسبياً عن تفكير أولي يجس النبض بعنوان تفكير الحكومة بتدشين حوار وطني له علاقة بقانون الانتخاب.
بوضوح، غرد وزير الشؤون البرلمانية والتنمية السياسية موسى المعايطة، باتجاه مختلف ومتباين عندما نفى وجود أي سيناريو أو صيغة تناقش الآن لقانون الانتخاب.
ردا على سؤال من “القدس العربي”، رفضت الوزيرة غنيمات الإقرار بحالة تناقض بين تصريحات التقطها نشطاء المنصات وشرحت بأن تعليقات الوزراء تكمل بعضها، وبأن ما قاله المعايطة صحيح، حيث لم يناقش مجلس الوزراء صيغة قانون جديد أو تعديلات لها علاقة بالانتخابات.
كلاهما، عملياً، صحيح؛ فالوزيران يتحدثان عن الملف نفسه، لكن بطريقتين قد توحيان ضمنياً بوجود وجهات نظر متعددة.
ثمة بالمقابل من يحاول اصطياد حكومة الرزاز في مخالفة مباشرة للتوجيهات المرجعية التي حسمت في وقت سابق وعلناً عندما قررت بأن قانون الانتخاب الحالي جيد ونتج عن حوار وطني موسع ولا حاجة إلا إلى تعديلات طفيفة عليه.
قبل ذلك، حسم الرزاز نفسه اتجاهات بعض الوزراء نحو تنشيط ملف الإصلاح السياسي عندما ساهم في تمكين نائبه الدكتور رجائي المعشر بوضع وثيقة للتنمية السياسية في الثلاجة.
لافت جداً أن الرزاز هنا، وبعدما أرسل تلك الوثيقة المقترحة واندفع المعشر لتعديل كثير من مضامينها، لم يفتح باب الثلاجة.
في الأثناء، تهتم الأطر المرجعية، ومعها مركز الثقل الأمني، بالإجراءات أكثر من النص، فتخرج توصيات تتحدث عن الحد من النفوذ المال السياسي في البرلمان، والعمل على التخلص من عبء رموز الولاء المسموم والمكلف، وتنشيط حضور قيادات شابة.
حتى عندما تعلق الأمر بخطة وطنية لإفساح المجال أمام قيادات شابة، تسلل شرط الولاء المشار إليه، وكالعادة طبعاً.. بدون وضع مواصفات ومقاييس ولا حتى تعريفات.
في الحديقة الخلفية للنقاشات، لا يتحدث الأمريكيون -وهم مهتمون بالملف الداخلي-عن تعديلات أو نصوص، بل يشيرون إلى انتخابات مقبلة وبرلمان ينبغي أن يتضمن شخصيات نزيهة، وفيه خلطة من الإخوان المسلمين ورموز الثقل العشائري، مع تمثيل معقول للمكون الفلسطيني والأقليات، ودون مجازفات كبيرة بالتركيبة الكلاسيكية، مع تقليص مساحة رموز المال السياسي والمقاولات.
بالمحصلة، ثمة تصور عن انتخابات 2020 لجناح إصلاحي مستنير يناضل الآن داخل حكومة الرزاز.
وثمة سيناريو لمراكز القرار والثقل الأمني لا يريد الابتعاد كثيراً عن صيغة النظام الحالي.
بالتوازي، ثمة تصور أو اشتراكات أو مفضلات أمريكية وغربية.
حتى اللحظة لا يوجد “صدام حقيقي” بين هذه التصورات، لكن قد يحصل لاحقاً. والسؤال هو، وقد طرحه على مسامع “القدس العربي” ناشط خبيث سياسياً: إذا حصل صدام بين تيارين في مسألة الانتخابات.. من الذي سيرجح واحداً منهما؟