الرزاز في طريقه لـ “تعديل وزاري” جديد وحكومته “محمية” من الدولة الأردنية “العميقة” بعد “خشونة الشارع”
يقترب رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز بصبر من استحقاق التعديل الوزاري الثاني على طاقمه بعدما حسمت الأجهزة الأمنية، من أجل مصالح حكومته، الجدل حول “سقف الحراك” الشعبي، ورسمت ملامح المسموح والممنوع لقوى الشارع، وأنتجت انطباعاً قوياً بأن خيار “التغيير الوزاري” غير مطروح ومن الصعب استلهام تجربة إسقاط وزارة الرئيس هاني الملقي مجدداً.
وكذلك بعد ترسيم أمني مغرق بالتفاصيل لملامح لعبة الحراك الشعبي وقواعده، ثم الانتهاء بنسبة كبيرة منصياغة قانون جديد للعفو العام وصف مسبقاً بأنه “منزوع الدسم” وصدرت فيه أوامر ملكية.
بعد ذلك يعتقد أن الرزاز جاهز لطرح ورقته المعنية بالتعديل الوزاري، حيث لا أنباء مثيرة جديدة بعنوان تحولات حرجة في اختيار شخصيات مختلفة، وحيث البقاء المتوقع في دائرة تقاليد المحاصصة و”تسكين” الأوجاع والتبديل في الوجوه، لكن من العلبة نفسها.
مجازفات الرزاز في “التوزير” في الماضي لم تكن كلها بالكفاءة نفسها أو على الدرجة نفسها من المهنية، وثمة إيحاء وسط مركز القرار بأن على رئيس الوزراء أن يحصل على فرصته كاملة في اختيار الوزراء الذين يريدهم حتى تتوقف الشكوى وعملية التذمر من غياب الحرية في اختيار جميع أفراد الطاقم.
مؤخراً ظهرت بعض ملامح الرؤية النقدية لبرنامج وطريقة عمل الحكومة على المستوى المرجعي، وسجلت ملاحظات مرة باسم البطء ومرة باسم خيارات غير موفقة على صعيد اختيار أو إقالة وزراء كان من بينهم الوزيرة النشطة للسياحة سابقاً لينا عناب، التي غادرت موقعها بمعية وزير التربية عزمي محافظة بعد حادثة البحر الميت.
لكن وجود ملاحظات مرجعية نقدية لا يعفي الرزاز من المسؤولية في إدارة المشهد العام، ولا يوحي بأن عملية الإسناد والدعم الخلفي لحكومته توقفت، خصوصاً وأن الدولة العميقة وفرت الغطاء مؤخراً لحماية الحكومة والوقوف معها وعزلها عن سياق التأثيرات العاصفة للهتافات التي صدرت عن حراكيي “معناش” في الدوار الرابع وسط العاصمة عمان.
العمق في الدولة الأردنية قال بكل اللهجات إن الحكومة الحالية لا تزال “محمية”، وتكرار سيناريو الدوار الرابع مجدداً ليس من الخيارات المطروحة، وقانون الضريبة الجديد من خيارات “الدولة” وليس الحكومة.
تلك كانت رسائل ملموسة ومكشوفة لعدة أطراف في المعادلة الداخلية، وتنحصر أهميتها في الإيحاء للرزاز وطاقمه بأن الحكومة لا تستطيع الاستمرار وحيدة، وحاجتها ملحة – إذا أرادت أن تعمل برامجياً- لدعم وإسناد مؤسسات القرار الشريكة، وحصرياً في المجال الأمني.
برز ذلك بوضوح عندما أظهرت الحكومة عجزاً واضحاً في محاورة حراك “معناش” والسيطرة عليه أو ملاعبته سياسياً، خصوصاً وأنه الحراك الذي تميز بخشونة من الصعب إنكارها في القول والفعل والهتاف والاشتراطات قبل التعاطي معه بالمقابل بخشونة أمنية.
لكن تلك الخشونة لم تمنع الحكومة من تجربة مخاطبة شرائح أخرى في المجتمع عبر التجاوب مع المبادرة التي أطلقها النائب المخضرم خليل عطية منذ أكثر من شهرين بخصوص إصدار “عفو عام” أمر به الملك، وتستعد الحكومة له، وسيناقشه البرلمان، الأربعاء، ليصار إلى تنفيذه.
العفو العام سيمنح الفرصة لآلاف الأردنيين للتعبير عن أسفهم عن أخطاء ومخالفات، وسيحرم الخزينة من عشرات الملايين من الدنانير، لكنه سيقلص نسبياً من نفقات السجون ويحقق بعض الانفراج اجتماعياً ويخفف من زحمة الملفات والقضايا لدى السلطة القضائية، خصوصاً وهو يلغي الجرائم والمخالفات المشمولة من حيث أصلها.
وبهذا المعنى يصبح العفو العام خطوة تتقارب فيها حكومة الرزاز فعلياً من الجمهور وإيقاع الشارع رغم أن الحكومة مستفيدة أيضاً من التفاصيل. لكن هذه الخطوة تتزامن مع قرب إقرار التعديل الوزاري الجديد الذي يريده الرزاز متسعاً قليلاً ومنطوياً على رسائل سياسية، فيما تريد جهات متعددة حصره في السياق البيروقراطي والتكنوقراطي.
التعديل يفترض أن يشمل تعيين وزراء جدد للسياحة والتربية والتعليم وقد يشمل تعيين وزراء جدد للتعليم العالي والعمل.
ولم يحسم بعد مصير مسألة خلافية من طراز شمول التعديل لحقيبة الداخلية، وقد تحصل مناقلات بين الحقائب تشمل وزارة الشؤون البرلمانية وموقع الناطق الرسمي، إضافة إلى ترجيح مغادرة وزير الدولة الحالي لشؤون الاستثمار.