السيسي في عمّان بعدما «همس» بومبيو في آذان زعامات المنطقة ولقاء «حيوي» لتبادل المشورة والخبرة و«التذمر» من «الشقيق السعودي»
عقدت أمس قمة أردنية – مصرية بين العاهل الاردن الملك عبد الله الثاني والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في العاصمة الأردنية، في الوقت الذي تقلصت فيه هوامش المبادرة والمناورة تحت وطأة ثقل الأزمة الاقتصادية في البلدين أمام القيادتين. يجري ذلك في ظل ظهور تباينات في منسوب ومستوى التضامن والتقارب داخل الأطراف الفاعلة في منظومة دول ما يسمى بالمحور السعودي الإماراتي.
ولا تبدو العلاقات الأردنية – المصرية في موقع المبادرة والمناورة بالاتجاه الاستراتيجي بالرغم من استقبال عمان الدافئ للرئيس السيسي بعد نحو عام ونصف على الأقل من الخمول في الاتصالات والتنسيقات والمشاورات بين البلدين، تخللهما الكثير من الجفاء الصامت وأثقال المشكلات الذاتية الموضوعية بعيداً عن المحور المساند.
وليس سراً في السياق التحليلي أن اللقاء الأردني المصري يقفز لواجهة الأحداث مباشرة بعد التأجيل الأمريكي الثالث لإعلان ما يسمى بصفقة القرن الأمريكية، وبعد إطلالة وزير الخارجية الأمريكي الأخيرة، مايك بومبيو، على دول المحور الأمريكي في المنطقة، الأمر الذي يجبر أي مراقب سياسي على التشبيك بين صعود اللقاء الأردني المصري فجأة في صدارة الأحداث بعدما زارت الدبلوماسية الأمريكية المنطقة وبدأت تهمس في أذني زعاماتها. بكل حال، ثمة قضايا ثنائية عالقة وتحتاج إلى الحسم أو المتابعة على طريقة السيناريو العراقي بين العاصمتين.
ويريد الأردن ترسيم السيناريو الأفضل لمسألة أسعار وواردات الغاز المصري، ويريد التوثق مما إذا كانت الحكومة المصرية معنية بالتعاون معه ضمن مؤشرات ما يسمى بحركة النقل والملاحة على شواطئ البحر الأحمر.
الأهم أن الأردن يجد نفسه معنياً بفهم طبيعة دوره الأمني في ذهن المؤسسة المصرية، فقد غابت عن الطرفين ولأكثر من عام على الأقل مظاهر التعاون التحالفية في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب. وثمة من يقول، من أسابيع في عمان، بأن المستوى الأمني المصري وضع بروتوكولات سابقة تم التفاهم عليها مع نظيره الأردني في مجال التنسيق ضد الإرهاب تحديداً في الثلاجة.
بمعنى آخر، وبعد معلومات مصرية عن ظهور مقاتلين متشددين أردنيين في صحراء سيناء بعد نقلهم من سوريا وبدون علم الأردن، تبرز الحاجة مجدداً للبضاعة السياسية المتعلقة بالتنسيق الأمني وتبادل المعلومات، لأن الأردن وخلافاً للمصريين لا يزال مؤمناً بأن تحديات الإرهاب متواصلة، بل وكامنة في بعض تفصيلاتها. والأكثر حساسية في المسار الثنائي والملف الذي تعتبره عمان أولوية مطلقة هو الملف الفلسطيني؛ فخلال عامين على الأقل حجب المصريون المعلومات عن الأردنيين، وبدا أن القاهرة تتحرك هنا وهناك ضمن مبادرات واتصالات لها علاقة مرة بالرئيس محمود عباس واللواء جبريل الرجوب ومرة محمد دحلان، ومرة ثالثة بالقيادات العسكرية في حركة حماس مثل يحيى السنوار. وطوال الوقت تستقبل القاهرة رموز وعناصر المعادلة الفلسطينية، ومن كل الأطراف. وتتجاهل عمان في هذا المحور ولا تضعها بالصورة، في الوقت الذي تخفق فيه القاهرة في خطف ملف التمثيل باسم النظام الرسمي العربي لعملية السلام والقضية الفلسطينية.
طبعاً العلاقات السعودية – المصرية تخللها بعض البرودة مؤخراً بسبب موقف نظام السيسي اللعوب من المسألة الإيرانية وسرعته في التعاطي مع المسألة السورية، وكذلك بسبب ظهور آراء في الإعلام الرسمي المصري تنتقد مظاهر الكرم الإماراتية والسعودية في مواقع عدة، مثل الباكستان، مقابل بعض التجاهل لأزمات الاقتصاد المصري.
في المقابل، العلاقات الأردنية مع العهد السعودي الجديد لا تزال في مستوى التوتر والتأزيم المسكوت عنه بكل الأحوال، وتتجاوز المنسوب البارد وتصل إلى درجات من التجمد. تلك عملياً مساحة مشتركة بين مصر والأردن، وإن كانت صغيرة لها علاقة بشكوى الشركاء هذه المرة داخل منظومة المحور السعودي، حيث يستقر الشعور النخبوي في البلدين بأنهما لا يحصلان على ما يستحقانه من اهتمام من الشقيق السعودي الأكبر. نظام السيسي سبق الأردن في الانفتاح على دمشق وطهران، ولديه أفضلية هنا حتى على المستوى العسكري والأمني.
وحكومة عمان متأخرة عنه كثيراً عندما يتعلق الأمر بالجمهورية الإيرانية، ومترددة عندما يتعلق بالنظام السوري، لكنها تسبقه بمسافات عندما يتعلق المشهد بتركيا الرئيس رجب طيب أردوغان.
هنا منطقة مرشحة لتبادل الخبرة بين القيادتين، ثم لتبادل المشورة والملاحظات بعد الاستماع لما سمي بالمحور الجديد الذي ينوي الوزير الأمريكي بومبيو تأسيسه في المنطقة على هامش قصة الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا وبعنوان تقليم أظافر إيران في المنطقة قدر الإمكان وتحجيم نفوذها. وثمة مستجدات في نظام الاتصال والعلاقات داخل دول الصداقة والتحالف مع السعودية تقابلها خطط واتجاهات جديدة مع الشريك الأمريكي، وبالتوازي تجلس إسرائيل بوقار مستمتعة بارتفاع حاد في منسوب التنسيق مع مصر وعلاقات هادئة مع الأردن. كل تلك زوايا في المشهد الإقليمي تدفع باتجاه الحاجة إلى التحدث وبصراحة مع السيسي في عمان.