«القدس العربي» تكشف خلفية الاشتباك بين عبيدات والمصري… وحالة «التشويش» عشية مؤتمر المنامة
إيقاعات حساسة في كل اتجاه بعنوان «تغيير النهج وصفقة القرن»
يبدو الاشتباك، عندما يتعلق الأمر بما حصل مؤخراً على جبهة الرئيسين طاهر المصري وأحمد عبيدات، صالحاً لقياس منسوب «الارتباك». وفي بعض الأحيان، فإن «الارتجال» الذي يواجه النخبة السياسية الأردنية وهي تبحث عن «حل وملاذ» من أي صنف يحاول احتواء تلك الروابط المخيفة والحساسة بين «قلق الإقليم» و«وجع الداخل» خصوصاً عشية الروح الفدائية التي أظهرها وزير المالية عز الدين كناكريه وهو يميل لـ «التواجد» في مؤتمر المنامة الاقتصادي.
صفقة القرن و«تغيير النهج» إيقاعان يسيطران بقوة على كل المجالس والأوساط في المملكة التي تتجول بحذر شديد بين الخيارات أملاً، أولاً، في «البقاء» في مستوى تحصين ما تيسر من «مصالح حيوية وعليا». وثانياً، اختبارالقدرة على «التجديد» على الأقل إذا تعذر «التغيير أو الإصلاح».
ثمة مقولة مشهورة في وصف الحالة الضبابية للمخضرم الذي لا يحب الأضواء، وزير الخارجية الأسبق عبد الإله الخطيب، سمعتها «القدس العربي» يوماً عن «كابينة» في قيادة الطائرة تعلم وحدها ما الذي يحصل في السماء أثناء التحليق أو الهبوط وتتولى الاتصال ببقية قمرات القيادة، فيما لا يعلم الركاب شيئاً عن ما يجري. طبعاً، ليس مطلوباً من الركاب إدراك ما يجري، خصوصاً في اللعبة السياسية التي تجيدها المؤسسة الأردنية.
لكن بعد سنوات عدة من مقولة الخطيب، قرر رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز اختصار مسافة التشخيص وتغليب السعي الشعبوي وهو يعلن بأن المطلوب منه «صيانة» خلل وعطب الطائرة أثناء التحليق، معتبراً أن تلك المهمة «بالغة الصعوبة».
بعيداً عن عالم الطيران ومفرداته، لا أحد يعلم اليوم، على الأقل في نخبة الاستشعار الأردنية، بأي اتجاه تحلق الطائرة أو ينبغي أن تحلق، فظهر الدبلوماسية الأردنية مكشوف لكل أنواع الابتزاز والضغط الأمريكي الإسرائيلي السـعودي.
لذلك، بدت بوصلة التحليق أيضاً «مشوشة» خصوصاً إذا حاول الشارع الأردني رواية ما حصل مع ما سماه الرئيس عبيدات علناً بـ«الجبهة الأردنية للتغيير».
هنا غابت مفردة «الإصلاح» بصورة «استفزت» حتى جميع مؤسسات القرار الأردني التي سارعت للتوثق من مخاطر محتملة في حال السماح لمشروع عبيدات في «التغيير» بالولادة إلى جانب رمزية سياسية كبيرة اجتماعياً مثل المصري، وبالأدوات والتعبيرات نفسها.
وهي نفسها المفردة التي أكد المصري بعد عودته مؤخراً من زيارة خارجية مباشرة لـ»القدس العربي» أنه لم يغادرها ولم يتحدث بغيرها حتى في النقاشات الداخلية مع الجبهة التي أشهرها عبيدات بدون تنسيق جذري مع شريكه المصري، كما يقول الثاني في بيانه العلني الأخير الصادر بعد ظهر الخميس.
القصة المثيرة للجدل بدأت مع إعلان عبيدات، الإثنين الماضي، أن المصري يتغيب لظرف صحي عن فعالية إشهار التجمع الوطني للتغيير، مع إشارة واضحة إلى أن الأخير «يوافق على كل الأدبيات».
تبين لاحقاً أن حديث عبيدات عن إقرار المصري لكل الأدبيات لم يكن دقيقاً، وهو ما أشار إليه بيان المصري الأخير وهو يقول: «فوجئت بما قيل في المؤتمر الصحافي».
يبدو هنا أن المصري، وحتى قبل يومين من إشهار التجمع، كانت لديه ملاحظات يعرفها عبيدات بصفة شخصية، من بينها الاعتراض على التوقيت ومفردة «التغيير»، وحتى الاعتراض على بعض الشركاء الذين يزيد وجودهم على طاولة عبيدات المسألة تأزيماً وتوتيراً.
بكل حال، التجاذب بين أكبر وأهم شخصيتين متحركتين في الفضاء السياسي الأردني الداخلي انتهى بإعلان صريح من المصري الانسحاب من تجمع عبيدات ومن لغة «التغيير» في ظرف حساس جداً وخطير تمر به البلاد ويتعرض فيه- كما قال المصري علناً- النظام لضغوط عاتية تحاول العبث بـ «دولة فلسطين» مقابل «الخبز» عبر محطة مؤتمر المنامة.
بوضوح قفز المصري إلى هذه الخطوة بعد إنزعاجه مما قيل ونقل عنه، وبعدما وضع عبيدات «نفسه بالصورة قبل إعلان موقف وعشية احتفال رسمي سيكون له دلالاته بأغلى مناسبات الأردنيين، وهي «عيد الاستقلال».
عملياً وضمنياً، يقول المقربون من المصري إنه حريص على أن لا تتمكن أي جهة، لا إقليمية ولا داخلية، ومع تقديره لحسن نوايا عبيدات ورفاقه من الاستثمار باسم «المكون الأردني الفلسطيني» في لحظة حرجة تتعرض فيها «الدولة ومؤسساتها» لضغوط خارجية على شكل حصار.
تفكيك ألغاز انسحاب المصري علناً من تجمع التغيير وشراكته مع عبيدات يؤدي إلى مثل هذا الاستنتاج، خصوصاً مع وجود شخصيات صقورية أو توتيرية ضمن التجمع نفسه.
حتى المكون الاجتماعي العريض نفسه أظهر حرصاً، بالمقابل وبعدة لغات ولهجات ومن لحظة التبرؤ التام من بيان مشبوه صدر باسم نشطاء المخيمات، على توجيه رسالة «لكل من يهمه الأمر» مضمونها بأن القيادات والمؤسسات مع الدولة الأردنية ومؤسساتها ولن تسمح بالعبث الداخلي أو بالاستغلال.
يكمل بيان المصري هذه المتتالية الهندسية السياسية. ويكملها أيضاً مطبخ الإخوان المسلمين الذي قرر مركزياً ومرحلياً تجنب «أي صدام» الآن مع الدولة والنـظام ضـمن حسـابات خاصة ومعقـدة.
لكن ما جرى على جبهة الثنائي عبيدات- المصري يثبت مرة أخرى بأن مستوى «الارتباك» كبير وعند جميع الأطراف، سواء في الدولة أو المعارضة أو في جبهة أصحاب الرأي.