القصر الملكي الأردني والشباب: «غزل أم كيمياء»؟… مشروع «عميق» لدماء جديدة في الصدارة
تسريبات مبكرة عن برلمان أكثر شباباً وأبعد عن المال السياسي
لا توجد مناسبة واضحة ومحددة للرسالة الملكية الأردنية التي حظي بها «شباب المملكة» صباح الأربعاء بعد حوارات صريحة وصاخبة بينهم وبين الملك عبد الله الثاني شخصياً في أكثر من موقع ومناسبة.
الملك أبلغ الشباب أنه فخور بهم، ومن عزيمتهم يستمد عزيمته، وقال: أنتم عماد الوطن ومعكم وبكم تستمر المسيرة. وهذا خطاب ليس نادراً بصفة عامة في اللسان الملكي الأردني، لكن توفير مناسبة تظلله سياسياً قد يكون الأهم في ظل حرارة الخطاب الذي سمعه الملك مؤخراً في مدينة الكرك وتضمن صراحة مباشرة وكلاماً صادماً عن إخفاق «الحلقات الوسيطة» من ممثلي المحافظات في إيصال الرسالة والقيام بالواجب، وهو ما تحدثت عنه المحامية الشابة هبة الله الشمايلة.
من تجاوزوا سن الشباب من الأردنيين، وتحديداً من السياسيين والموظفين في أجهزة الدولة، ينبغي أن لا يشعروا بالقلق من سلسلة المجاملات الملكية التي تحاول رفع معنويات القطاع الشاب، فالمسار الاستراتيجي الموضوع حالياً يحاول تجربة الاستثمار التام في القطاع الشاب. وبرزت تلك المجاملات مباشرة مرة أخرى بعد القرار المثير لمجلس الوزراء بتجديد «دماء القطاع العام»، حين تحدث وزير العمل ورئيس مجلس الخدمة المدنية، نضال بطاينة، عن مغادرة كل موظف في أجهزة الدولة زادت خدمته عن 30 عاماً وإحالته على التقاعد. الوزير شرح بأن القرار له علاقة بضخ دماء شابة في مؤسسات القطاع العام والاستمرار في سياسات التشغيل وإنتاج مزيد من الوظائف للقطاع الشاب في بنية القطاع العام.
لم يعد سراً أن إحالة آلاف الموظفين من كبار السن على حساب التقاعد المدني يعطي الحكومة الحالية فرصة الادعاء بأنها نجحت فعلاً في توفير نحو 30 وظيفة جديدة في قطاعات الحكومة لضخ مياه جديدة وتوظيف بدائل شابة، وهو ما قاله صراحة الوزير البطاينة الطامح بدوره لأن تنتقل نظريته في «التشغيل» لاحقاً إلى القطاع العسكري وليس المدني فقط.
في الأثناء، تسترسل الحكومة في سياسات تخفيض النفقات ومراجعة قانون الضمان الاجتماعي، وتقرر وقف حالات التقاعد المبكر ووضع سقف لرواتب الضمان الاجتماعي بعد بروز فجوة كبيرة بين صغار المشتركين ورواتب كبارهم.
سبق للشارع أن أثار هذه المسألة على أكثر من صعيد، وحكومة الرئيس عمر الرزاز تحاول الاقتراب شعبوياً من بعض الهتافات.
لكن الأهم الآن أن ثمة خطة أوسع وأعمق يمكن تلمس مسوغاتها لـ «تجديد شباب المملكة» عموماً وفي غالبية الاتجاهات وكل القطاعات، وليس على أساس التوظيف والتشغيل فقط، ولكن على أساس القناعة بأن الحراكات الشعبية المتشددة كانت تحاول توظيف الشباب وزخمهم في نشاطها.
وعلى أساس ثبوت النظرية الأمنية التي تتحدث عن مخاطر حقيقية في المحافظات على صعيد انتشار المخدرات وتعاطيها في مجال الشباب وأحيانا في المدارس والجامعات، حيث ألمح وزير الداخلية سلامة حماد عندما استقبل «القدس العربي» في بداية تكليفه، إلى أن واحداً من أهم واجباته التصدي لأي متاجرة غير مشروعة ووقف زحف المخدرات لا بل القضاء عليها.
على الأجندة الأمنية أيضاً تعليمات صارمة بمصادرة أي سلاح تطلق منه النار في الاحتفالات أو لأغراض الابتهاج. وحتى وزارة الداخلية هنا تحاول، بالتعاون مع وزارة الشباب، العمل على استقطاب القطاعات الشابة. وبالتوازي، تنشط خلف الستارة والكواليس كل التقديرات العميقة التي تتحدث عن قرار سياسي مركزي اتخذ بزيادة رقعة القطاع الشاب والعمل على الاستثمار في قطاعات شابة في الانتخابات البرلمانية المقبلة.
هنا حصرياً، أدركت أوساط القرار العميق بأن المجازفة مع الشباب أقل كلفة، وبأن-وهذا الأهم – الانتقال الفعلي إلى برنامج «ضريبة مقابل الخدمات» والتحرك من معلبات «الدولة الرعوية» أسلس وأسهل مع القطاعات الشابة، خصوصاً وأن مؤسسة ولاية العهد الشابة بدورها تتحرك بالفضاء ببطء لكن بعمق ومنذ عامين، والمطلوب بناء علاقات تحالفية بينها وبين القطاع الشاب، الأمر الذي يمنح رسالة المجاملة الملكية للشباب بعداً أعمق بكثير من النصوص المباشرة.
وفي ضوء ما يتسرب من تحضيرات واسعة لانتخابات عامة لاحقة العام المقبل قد تكون مبكرة، يمكن القول بأن «برلماناً أكثر شباباً وأقل كلفة وأكثر بعداً عن المال السياسي» هو الهدف الآن، بصرف النظر عن إنتاجية وإمكانية تحقيقه. ويفسر ذلك، بطبيعة الحال، ما تتحدث عنه كثير من الأوساط المعنية بعناوين من بينها تحالفات وتكتلات لعناصر شابة ستحتشد في الانتخابات المقبلة لمعالجة الفراغ وتدشين مشروع «النهضة».
تلك، بمعنى آخر، الخطة الاستراتيجية الآن التي تبرر سلسلة التفاعلات المثيرة مؤخراً بين ممثلين للقطاع الشاب ومؤسسة القصر الملكي. وتلك ملامح مشروع جديد تحاول فيه «مملكة شابة» أصلاً بالمعنى الاجتماعي والشرائحي ولوج الأزمة المقبلة بالمستوى الإقليمي وتوابعها والتفاعل بالتوازي مع «الأزمة الاقتصادية» الطاحنة.
السؤال هو: هل تنجح خطة من هذا النوع؟ الإجابة مرهونة بموقف وحسابات «الدولة العميقة»، وهي بالمناسبة ممثلة تماماً للقوى التقليدية في الدولة والمجتمع، ولا علاقة لها بتمثيل الشباب حتى الآن على الأقل