يعرف الشيخ مراد العضايلة، الأمين العام لجبهة العمل الإسلامي الأردنية، أن وزير خارجية بلاده، أيمن الصفدي، يستطيع التدخل والاستفسار دبلوماسيًا، لكنه ولأسباب متعددة لن يصل إلى مستوى تبني دعوة الشيخ لمطالبة دولة الإمارات بالاعتذار بعد منعها النائبة هدى العتوم من دخول البلاد.
الصفدي لن يفعلها، ليس فقط لأن العلاقات بين عمان وأبو ظبي حساسة وحمالة أوجه واحتمالات لدرجة يصعب معها المطالبة باعتذار، ولكن أيضًا لأن سلطات أبو ظبي في النهاية اتخذت إجراءً «سياديًا» ليست مطالبة بتبريره لأي طرف، وهو ما تفعله السلطات الأردنية عندما تعتذر عن عدم استقبال أي ضيف غير مرغوب به.
لكن الرسالة الإماراتية بخصوص مسألة النائبة هدى العتوم أبعد بالتأكيد من ذلك، وتلاعب أحد أبرز هواجس ومخاوف الإخوان المسلمين في الأردن، وهو ذلك المتعلق باستجابة بلادهم في أي وقت ولأي سبب اقتصادي أو سياسي أو دولي أو إقليمي للسيناريو المصري السعودي الإماراتي بخصوص جماعة الإخوان المسلمين.
هواجس «الوظائف» تحكم المعادلة وجماعة الإخوان تخشى التجاوب مع سيناريو السيسي
عمليًا، اتصل رئيس مجلس النواب عاطف طراونة بالوزير الصفدي، وطلب منه نقل اعتراض البرلمان الأردني على منع النائبة العتوم، وهي سيدة تربوية بارزة في المملكة ترتدي الخمار. وعلى الأرجح، فعل الوزير الصفدي ما ينبغي فعله بدون تصعيد اللهجة، فعلى المحك اليوم حساسية أبو ظبي المفرطة إزاء كل ما له علاقة بمسألة الإخوان المسلمين، وخصوصًا في النسخة الأردنية منهم.
لا يوجد عمليًا أي سبب يؤدي لمنع السيدة عتوم من عبور مطار أبو ظبي لمدة ليلة واحدة وبصيغة ترانزيت، إلا أنها رائدة في مجال «الأخوات المسلمات»، وترتدي «الخمار»، وإلى حد ما تعتبر- فكريًا وسياسيًا وبرلمانيًا – من صقور الحركة الإسلامية، خلافًا لأنها برلمانية صلبة وقوية حققت مفاجأة النجاح بتميز في الانتخابات الأخيرة.
تقول سلطات أبو ظبي هنا بوضوح بأن تسهيلاتها للأردنيين وعلاقاتها بهم «لن تصل» إلى حد السماح بزيارة واستقبال رموز في الحركة الإخوانية، لا في أبو ظبي ولا في دبي؛ فقبل سنوات، سجن القيادي البارز في الإخوان المسلمين الأردنيين الشيخ زكي بني ارشيد لسنة ونصف السنة بتهمة الإساءة لـ»دولة شقيقة» هي الإمارات.
وقبل أسبوع، اعتقلت السلطات ثلاثة نشطاء من مخيم البقعة بتهمة الإساءة لدولة صديقة أخرى يعتقد أنها البحرين.
مركز القرار الأمني والسياسي الأردني لا يزال مصرًا على القول بأن الإساءة لدول الخليج تحديدًا مجازفة لن يسمح بها، بالرغم من كل ما يحصل إقليميًا ودوليًا وعلى صعيد القضية الفلسطينية.
الأمر يعني ببساطة أن وزارة الخارجية الأردنية لن تلتفت كثيرًا لمطلب الشيخ العضايلة، والأخير على الأرجح يعلم ذلك، وإن كان يريد تسجيل موقف اعتراضي على استهداف عضو الحزب في البرلمان النائبة العتوم بصرف النظر عن الإنتاجية والتداعيات.
كما يعني بأن الهاجس الاقتصادي الأردني تجاه منظومة دول الخليج التي تتجاهل الأردن ماليًا وتنكره بالمساعدات وتشارك في الضغط السياسي عليه لا يزال مستحكمًا في ذهن جميع المسؤولين الأردنيين، حيث مليون أردني على الأقل يعملون في النادي الخليجي، وأغلبهم بصورة ساحقة في السعودية والإمارات.
طبعًا بقاء الأردن اقتصاديًا «على الحافة»، كما يقدر المخضرم طاهر المصري، أمر مطلوب دومًا خليجيًا وإسرائيليًا وأمريكيًا، لكن وصوله إلى ما بعد الحافة وحرمان مواطنيه من الوظائف يعني تحريره تمامًا من المحور الحالي وانتقاله بخبراته العميقة إلى حالة «لغم سياسي وديمغرافي» يعبث بكل قواعد اللعبة.
لذلك، يقدر صانع القرار الأردني بأن التحرش بوظائف الأردنيين وأرزاقهم في دول الخليج التي تحاصر قطر سيكون مغامرة، لكن بكل حال تحرص السلطات في عمّان على منع تأسيس ذرائع تسمح بذلك، وعليه تدار العلاقات اليوم مع دول مثل السعودية والإمارات بمبضع جراح وبحساسية مفرطة. ووفقًا لما نقل عن سياسيين كبار، فإدارة العلاقة اليوم مع دول خليجية غنية أشبه بالمشي بين الألغام.
يعرف الشيخ بني ارشيد ذلك، ويعتبر التهدئة وتجنب الصدام سياسيًا مع الدولة الأردنية الآن في الداخل جزءًا من استراتيجية أعمق تحاول الحفاظ على الموقف الإيجابي الحالي الرسمي الذي يرفض المساس برخصة وشرعية الإخوان المسلمين ويلاعب الاتجاهات السعودية والإماراتية، ويرفض بصرامة اتجاه الرئيس دونالد ترامب لتصنيف الجماعة بالإرهاب.
في عمق مؤسسات الإخوان المسلمين إدراك كبير لأن الدولة الأردنية حتى اللحظة تتخذ موقفًا «شجاعًا» ضد المد الخليجي المضاد للإخوان المسلمين في المنطقة.
لكن ما فعلته أبو ظبي مع النائبة العتوم رسالة جديدة تقول بأن اعتبارات الدولة الأردنية ليس شرطًا أن تلتزم بها الإمارات، حتى عندما يتعلق الأمر بـ «أخت مسلمة بارزة وعضو بالبرلمان».
الأهم الإشارة إلى أن تحسين العلاقات الاقتصادية والسياسية بين دول المحور السعودي، والأردن قد يتحول لاحقًا وفي أي لحظة إلى جملة شرطية مرتبطة باعتماد سيناريو مصر والسيسي ضد مؤسسات الإخوان المسلمين… هنا تأكيد على أن قصة منع العتوم ليست مجرد «خطأ فردي»، كما أبلغت أمل القبيسي، رئيسة الاتحاد البرلماني الإماراتي.