الملك عبد الله الثاني في واشنطن… وتجدد الحديث عن “صفقة كوشنر”
تندفع غرف القرار في عمان ورام الله وبعض العواصم العربية باتجاه محاولة محمومة لتفكيك وتركيب ألغاز عبارات ومفاهيم تسربت من الإدارة الأمريكية، في الوقت الذي ينتظر فيه الجميع إعلان الرئيس دونالد ترامب، وعبر كبير مستشاريه جاريد كوشنر، عما يسمى بصفقة القرن.
“صفقة كوشنر”: إدارة فلسطينية على مناطق أ وب ترتبط بالقطاع وبدون سيادة
المعلومات ما زالت قليلة وبالقطارة حول ملامح تلك الصفقة، ووزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي جدد إبلاغ “القدس العربي” بأن الإدارة الأمريكية لم تعلن بعد ولم تبلغ بلاده أو غيرها بأي تفاصيل محددة حول الصفقة المعنية بعملية السلام.
تتضمن حرية تنقل الأفراد والبضائع داخل إسرائيل وسلام “اقتصادي”
العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، غادر مجدداً إلى واشنطن في زيارة غامضة الأجندة، واجتمع يوم أمس بوزير الخارجية مايك بومبيو والقائم بأعمال وزارة الدفاع باتريك شانون. مؤخراً فقط، اتفقت المؤسسة الأردنية مع الرئيس محمود عباس على أن ما يرشح حتى الآن بعنوان ما يسمى بصفقة القرن إطار لا يمكن – مع غياب النصوص الحاسمة والصارمة – الموافقة عليه لا فلسطينياً ولا أردنياً.
قبل ذلك، حذر ملك الأردن في لقاء مغلق من أن أي ترتيب يفكر به الأمريكيون ولا يحقق مصالح الشعبين الأردني والفلسطيني لا مستقبل له ولا يمكن الموافقة عليه.
فرضيات
وخلال لقاءات لها علاقة بالمرجعية الملكية الأردنية تم التلميح في إطار النقاش إلى فرضيات عدة. أهمها تلك التي تلمح إلى أن الإصرار على عزل وتنحية خيار الدولتين من المنطقي أن ينتهي بخيار الدولة الواحدة وبإجبار إسرائيل على أن تهضم الحقوق المدنية والسياسية لمكونات المجتمع في مرحلة ما بعد الدولة الواحدة.
هنا حصرياً، استعيرت العبارة التي سبق أن رددها الرئيس ترامب علناً بخصوص حالة يصبح فيها من يحمل اسم “محمد” مثلاً رئيساً لوزراء إسرائيل مع السؤال الاستفهامي والاستنكاري أيضاً الضروري في مثل هذه الحالة: هل يقبل اليمين الإسرائيلي بذلك؟ وهل تلك هي إسرائيل كما يرى قادتها؟ هدف الاستفهام الاستنكاري هنا واضح، وهو الإصرار على الخط الأردني الأحمر الثابت والأساسي، حيث لا عملية سلام بدون حل الدولتين، ولا منجزات حقيقية بدون دولة فلسطينية.
سابقاً لهذه الأسئلة، طرح أحد المسؤولين الأردنيين على كوشنر تحديداً استفساراً حول موقفه من وجود دولة فلسطينية بعد إعلان الصفقة التي يرتبها.. بدا لافتاً جداً هنا أن كوشنر الجاهل بالمواصفات الأردنية في المنطقة والملف، تعثر بالإجابة فتدخل مستشار الأمن القومي في اللقاء نفسه، جون بولتون، وتحدث عن كيان يمثل الإرادة الحرة في إدارة الفلسطينيين لشؤونهم على جزء من الضفة الغربية وقطاع غزة.
تعليق بولتون تم حفظه في الأرشيف ويستدعيه أردنيون بشكل محصور وعلى نطاق ضيق، خصوصاً أن المستشار الأمريكي بولتون، وعندما استزاد منه الأردنيون حول تصنيف وتوصيف التمثيل الفلسطيني الذي يتحدث عنه، قال بما معناه وبسخرية مقصودة: “بإمكان الرئيس عباس إطلاق اسم إمبراطورية على الحيز الجغرافي الذي يقوده أو أي اسم يريده”، وأضاف بولتون: “ذلك لا يهمنا الآن”.
في السياق، يحاول الأردنيون، مع بعض قادة السلطة الفلسطينية، التقاط ما هو جوهري في بعض التوصيفات الأمريكية.
كيان على 42% من أرض 1967 مع حرية تنقل الأفراد والبضائع داخل إسرائيل وسلام “اقتصادي”
تحدث مساعد كوشنر غرينبلات عن نظريته المتعلقة بتطور علم السياسة الحديث عندما يتعلق الأمر بمفهوم السيادة وعلاقته بالجغرافيا. غرينبلات ضرب الأمثلة على دول متعددة في العالم ناجحة وفيها استثمار جيد وبدون حدود حقيقية على الأرض أو قوة عسكرية، مشيراً إلى أن السيادة أصلاً أصبحت مع الفضاء الإلكتروني اليوم مفهوماً مرناً.
ولم تعد الحدود ذات البعد السيادي لها علاقة بأكثر من الاحتياجات الأمنية أولاً، ثم ضمانات حريات انتقال البضائع والأفراد ثانياً مع الإشارة في العقل الفلسطيني بالمقابل إلى أن الحدود “الأمنية” تختلف عن تلك “السياسية والجغرافية”.
التقط مجس فلسطيني خبير مثل هذه النظرية، وفهم المعنيون في عمان ورام الله بأن طاقم كوشنر يتحدث عن إدارة تمثل الفلسطينيين بموجب صفقة القرن يمكن أن يطلق عليها أي اسم، لكنها بكل الأحوال بدون سيادة، وفقاً للمفهوم التقليدي.
عند التعمق والاستزادة في التفاصيل، لفتت نظرية غرينبلات النظر عندما تحدثت عن حركة البضائع والأفراد. وهنا حصرياً برز الاستنتاج الأهم، حيث يتمحور الذهن الأمريكي حول معالجة قضية تنقل الأفراد والبضائع في الكيان الفلسطيني الجديد والوليد، مرة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ومرة أخرى بين هذا الكيان بحدوده الجغرافية وإسرائيل نفسها، ضمن رؤية اقتصادية شاملة للشرق الأوسط.
دولة ناشئة على بحرين
من هنا، يتحدث السعوديون عن دولة فلسطينية ناشئة على بحرين هما الأحمر والمتوسط. ومن هنا يرجح المفكر السياسي البارز عدنان أبو عودة، وعبر “القدس العربي” ترتيبات بعنوان “السلام الاقتصادي”، مشيراً إلى أن المصطلحات والمفردات “اللعوبة” التي ستستخدم للتمرير والتبرير لا علاقة لها بأسس تشكيل وتعريف الدول بقدر ما لها علاقة بالرغبة في نحت حالة باسم السلام تستثمر في الاحتياج الاقتصادي.
وتبرز في السياق نفسه وثيقة الخارطة التي بدأ كوشنر ومساعدوه يسربونها حول إدارة فلسطينية في الضفة الغربية على مناطق “أ” و”ب”، بمعنى على 42% من أراضي عام 1967 ترتبط بطريق حيوي ومأمون مع قطاع غزة كاملاً ومشاريع بالمليارات لتسهيل عملية الانتقال مقابل حقوق عودة للإطار الجغرافي أو التمثيل الفلسطيني الجديد فقط، وبأعداد غير محدودة مسبقاً مع ميناء ومطارين.
حرية النقل بموجب ما يرشح حتى الآن والتنقل ستكفلها صفقة كوشنر لكل من يقيم أو يتاجر ما بين الضفة والقطاع أو ما بينهما وإسرائيل أيضاً.
يفترض وحسب التسريبات نفسها، وبعد ولادة هذا الكيان الفلسطيني الجديد، أن تبدأ عملية صعبة ومعقدة وطويلة الأمد باتجاهين: الأول، دولة فلسطينية مؤقتة تتفاوض على علاقة اندماجية مع الأردن. والثاني، كيان فلسطيني بتمثيل انتخابي وشرعي يدير كل شؤون الخدمات لشعب هذه الدولة الجديدة، ثم يشكل وفداً للتفاوض مع إسرائيل على قضايا الحل النهائي.