بانوراما «انتخابات» جديدة في الأردن و«العصف الذهني» بدأ خلف الستارة: إقصاء «حيتان» لعبة التشريع والمال السياسي
الطراونة الطبيب يترشح مبكراً وشقيقه الجدلي عاطف اختلف مع الرزاز
صورة البانوراما للانتخابات البرلمانية المقبلة في الأردن تشغل الآن باب التكهنات والتوقعات بالنسبة لغالبية ساحقة من الفضوليين والمراقبين السياسيين الباحثين بشغف، وأحياناً بخيال تتطلبه مقتضيات الإثارة، عن صنف وهوية ونوع الانتخابات المقبلة على إيقاع صفقة القرن وما بعد المشاركة في حفلة مؤتمر البحرين.
في عمق الصورة نقاش مبكر غير مفهوم على المستوى النخبوي أثاره إعلان نقيب أطباء الأسنان إبراهيم طراونة نيته الترشح في مدينة الكرك جنوب البلاد.
سبب الإثارة هنا أن النقيب الذي كان أول من ترأس وفداً وزار دمشق، بدأ مبكراً إفصاحاته الانتخابية العشائرية والعائلية منعاً للتكهن، وبرسالة يمكن أن تنطوي على تلميح بأن العائلة السياسية والنقابية المهمة في طريقها لتجديد التمثيل والرموز، وبالتالي احتمالية بروز سيناريو لانتخابات عامة خالية من المخضرم رئيس المجلس الحالي عاطف طراونة.
قد تخدع الصورة السطحية هنا. لكن كثيرين فهموا أن إعلان إبراهيم الشقيق، المبكر، ترشيحه جاء من باب ابتعاد الرئيس عاطف، وهو شقيقه الأكبر، عن المسرح والأحداث بعدما أقر الرجل- وعلى هامش نقاش عميق مع «القدس العربي» مؤخراً-بأن»مأسسة العمل البرلماني» لم تكن مهمة سهلة مثلها مثل استعصاء الإصلاح السياسي.
مبكر جداً القول بأن الرجل القوي في البرلمان الذي انفرد – كما لاحظ الكاتب المسيس أسامه الرنتيسي – دون غيره من رموز البرلمان تاريخياً بقيادته لأربع دورات متتالية، وبالتزامن قرر الابتعاد عن المسرح.
لكنه، بكل حال، ابتعاد تكتيكي يرضي أطرافاً عدة تحسد أو تخاصم أو تعتقد بأن الرجل قاد البرلمان لسنوات طويلة قبل أن يتصدر مؤخراً بجملة تكتيكية سياسية في المنابر الدولية والعربية تناكف السعودية وتتقرب من المحور الإيراني وتندد بخشونة بإسرائيل وترفض التطبيع. أهم ما ورد في سجل عاطف طراونة الانتخابي هو تلك الإشارات عن إشرافه على جمع أرشيف مخالفات تشريعات الكنيست الإسرائيلي لحقوق الإنسان.
لكن على الجبهة مع الرجل الآخر القوي اليوم في الدولة الأردنية، وهو رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، فإن العلاقة بينهما تفتقد إلى الكيمياء المطلوبة.
وعلى جبهة العلاقة مع الدولة العميقة، ثمة رسائل بأن خطاب الطراونة المخضرم «غير منضبط» وإن كان الشعب حاول التحرش دوماً بالعائلة برمتها عند الحديث عن «المال السياسي».
الرجل قال لـ»القدس العربي» عدة مرات، بأن تصريحاته ومواقفه تمثل اتجاه البرلمان وسلطات التشريع وليس الحكومة، ورؤيته لمصلحة الوطن الأردني العليا، بصرف النظر عن تقييم وزاوية بقية الأطراف.
لكن ذلك لا يكفي للقول بأن بناء سيناريو الانتخابات المقبلة، سواء أكانت مبكرة أو بموعدها الدستوري، ستخوض به الدولة وأركانها بوجود رجل قوي، مما قد يشكل دافعاً ذاتياً بالمقابل للابتعاد التلقائي قليلاً ومرحلياً إلى تتبين كمية الدخان الأبيض وتحديد أين ستتجه.
ويبقى خيار الابتعاد القطعي من المبكر حسمه أو اعتماده، لأن نظام القوائم الانتخابية يتيح للثنائي طراونة الترشيح معاً.
قبل ذلك، ليس سراً أن رئيس المجلس النيابي اختلف مع الرزاز بمسألة الحاجة إلى دورة استثنائية صيفية للبرلمان، حيث سمعت «القدس العربي» حواراً بين الرجلين؛ يتحدث فيه الأول عن عدم الحاجة إلى دورة استثنائية حيث لا توجد «مستعجلات» على الطاولة تشريعياً، فأجابه الرزاز بعبارة سريعة من صنف «ليس بالضرورة».
الإيحاء واضح هنا بأن الحكومة تطرح خيار «استثنائية برلمانية»، والأجندة الوحيدة التي قد تحتاجها هي تلك التي تتطلب بناء قانون انتخاب جديد استعداداً لانتخابات قد تكون مبكرة قليلاً يزيد الفضول في معرفة ملامحها وهويتها، خصوصاً وأن الرزاز علناً كان قد تحدث قبل أشهر عن «حكومة أغلبية برلمانية قبل نهاية عامين».
وعندما استفسرت «القدس العربي» مباشرة، شرح الأخير بأن الحديث كان رداً على سؤال مباشر ويحمل تفضيلاً شخصياً وليس برنامجاً حكومياً لعملية تنمية سياسية من الطبيعي أن تنتهي بحكومة أغلبية برلمانية من باب التمني. يفهم الرزاز هنا بأن خياراً له علاقة بحكومة أغلبية برلمانية عابر لحكومته ولا يمكنه برمجته حكومياً بمعزل عن دوائر صناعة القرار العميق. لكن يفهم أي طرف مقابل بأن ثمة سيناريو يطهى على نار تشعل بهدوء أحياناً ويتم إطفاؤها تجنباً للإثارة أحياناً أخرى.
وليس سراً أن «رموز المال السياسي» في الانتخابات تحولوا بقرار مركزي إلى بنك «أهداف» محتملة في المواجهة الانتخابية المقبلة بمجرد تنظيم لقاء بالمستوى الأمني وبرعاية ملكية بعنوان إقصاء المال السياسي وإعلان الحرب مبكراً عليه.
ومن غير المستبعد القول بأن فكرة مراجعة نصوص قانون الانتخاب وإجراء تعديلات عليها نمط من التسريع في بناء سيناريو انتخابات وشيكة قد تنتهي بحل البرلمان ورحيل الحكومة قبلها.
وهو نفسه السيناريو الذي يمكن ربطه اليوم بتصور يتحدث عن انتخابات نظيفة فعلاً وأكثر تمثيلاً وخالية من تأثير المال السياسي وحيتان التشريع.
ولديها مضمون سياسي وطني وتؤدي إلى تعزيز تمثيل بعض الشرائح وتفعيل دور الشباب وتشكيل نواة صلبة أو كتلة حرجة من قادة جدد للحالة الوطنية تسير بالتوازي مع الروح الشابة في مؤسسة ولاية العهد، وتقود تحولات مهمة لاحقة وبعدد مقاعد أقل يسمح بتفعيل «الحكم المحلي واللامركزية» في الأطراف والمحافظات