بعد الجزائر… مصر أيضا على «كرسي متحرك»
هل خطر في ذهن كل من يعارض الانقلاب أو النظام في مصر مثلا أن تلك العجوز المقعدة التي وقفت فجأة وسط الميدان لترقص من على الكرسي المتحرك ابتهاجا بالتعديلات الدستورية تؤيد فعلا هذه التعديلات وترى في الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي عنصرا لتدعيم الاستقرار؟
أزعم مسبقا أن السيدة إياها وعلى الأرجح لم تقرأ- إن كانت تقرأ أصلا- نصوص التعديلات الدستورية المقترحة.
لكن أزعم بالمقابل بعدم وجود جهاز أمني أو عسكري أو حكومي يستطيع فعلا اجبار تلك السيدة على وصلة الرقص المشار إليها فالناس ليس في مصر فقط لديهم أيضا قناعات و ليس بالضرورة أن تتفق مع قناعاتنا.
نفس المشهد يمكن التحدث عنه في تلك الصورة التي تظهر العشرات من مشايخ الأزهر الشريف يرتدون العمائم إياها ويصطفون لتأييد السيسي والتعديلات الدستورية.
في السعودية مثلا هناك شرائح كبيرة في المجتمع تدعم برنامج ولي العهد المثير للجدل وتصطف بالطوابير خلفه وتقول لنا نحن معشر المراقبين وأصحاب الرأي والتعليق وكذلك المعارضين أن لديها حسابات قد تختلف مع حساباتنا.
في بلدي الأردن أيضا لا أحد يستطيع أن يزعم أنه يحتكر الحقيقة فقط لأنه يتجمع في منطقة الدوار الرابع ويطلق هتافا حادا ويتهم الجميع بالفساد.
في الأردن أيضا أغلبية ساحقة من المواطنين لا تعارض الدولة ولا تختلف على الملك أو معه ومن حقها ممارسة الولاء بالطريقة التي تناسبها وليس من حق الأقلية من المعارضين أو المناكفين أو الغاضبين بصرف النظر عن دوافعهم الادعاء فعلا أنهم فقط وحصريا أصحاب الرأي الوطني السديد والشريف.
لا يروقني التسحيج النفاقي في أي بلد. وأعتقد أن الدول العصرية والحديثة المحترمة تجاوزت عبر الأنظمة والقوانين المنصفة والتجارب الحكيمة والعميقة المرحلة التي تجد فيها نفسها مضطرة للتجمع في الشارع والرقص في الميادين من أجل عيون حاكم أو رئيس او حتى لإظهار التعارض معه والاحتجاج عليه.
لا نحن كمعارضين أو ناقدين أو ملاحظين نمثل أفقيا شعوبنا. ولا من هم على الطرف الآخر كمؤيدين ومسحجين وموالين يمثلون أيضا كل الشعب
في تلك الدول ثمة احترام لكرامة الإنسان بعد عقود طويلة من القتل والفتك والتدمير العبثي. وفيها يعبر المواطن عن موالاته او معارضته فقط في صندوق الاقتراع.
لأسباب مفهومة على رأسها المشروع الإسرائيلي وثنائية الفساد والاستبداد في عالمنا العربي نحن معشر العرب محرومون من خيار الصندوق والانتخاب.
لكن بالمقابل الذهنية التي تحرك المواطن العربي إلى الشارع مختلة ايضا ويعتريها قصور ما عندما يمارس التسحيج أو المعارضة.
طبعا تلك فوضى تحتاج لعقود من الاصلاح في بنية المجتمع وتقنيات ومسائل تعليم الأولاد والاستثمار في المعرفة والعلم قبل النفاق أو المحاصصة أو تلك الأنظمة البيروقراطية الغريبة التي تمجد فقط الزعيم الضرورة على حساب الوطن والمواطن.
بكل حال المفارقة تبدو عجيبة وغريبة لأن الشارع العربي يفرط بالحماس من أجل الزعيم أو الرئيس ويفرط أيضا في المعارضة والمناكفة.
المشهد الثالث في مصر يستفز كل مكونات العقل حيث رئيس أعرق الجامعات وهي جامعة القاهرة يحمل المايكرفون ويتحدث مع الطلاب ويمنحهم فجأة بعض المزايا والعطايا والهدايا غير المتوقعة بمناسبة التعديلات الدستورية.
أغرب تلك الهدايا خمس علامات على المعدل النهائي للجميع ومساعدة أي طالب في فصل التخرج وإعفاء من مصاريف خلال شهر رمضان.
عطايا رئيس الجامعة هي نفاق بامتياز ولا يمكنها المساهمة في بناء وطن أو حتى دعم نظام.
لكن مثل هذه العقلية موجودة وتحتل أرقى المواقع في النظام والمجتمع المصريين ولا أشتري شخصيا بخمسة قروش تلك الرواية التي تقول إن المخابرات المصرية مثلا يمكنها أن تخيف رئيس الجامعة المشار إليه او تجبره بصورة مفصلة على تقديم تلك العطايا وبالطريقة المسرحية التي شاهدناها.
ما أريد أن أقوله باختصار أن مستويات الأمن وأجهزة المخابرات حتى وهي تعمل من أجل شخص أو فئة أشخاص في أي بلد عربي لا أقتنع أنا شخصيا أنها تستطيع اجبار عجوز مصرية مقعدة على الوقوف والرقص وسط الجمهور ابتهاجا بتعديلات دستورية لا تعرف عنها شيئا.
بالقياس لا أعتقد أن رجال المخابرات على ذكائهم وفطرتهم الخبيثة يمكنهم أن يجبروا أي إنسان على التحول إلى مطرب يغني فقط للدولة وخياراتها.
ما أريد قوله هنا باختصار له علاقة بأصحاب الرأي المعارض وفي كل بلد عربي حيث لا توجد أدلة على أن من يختلف أو يعارض هو فعلا ناطق بأسماء ايقاع الشارع وباسم الجمهور.
من ترقص للسيسي أو تقف متشحة ببعض السواد بانتظار تحية صغيرة لموكب سيارات في الرياض هي أيضا امرأة موجودة في الواقع ولها حسابات تختلف عن حسابات الملاحظين والناقدين. ومن يدعم الدولة ويفرط بالولاء في الأردن مثلا مواطن بكل الأحوال وتقييمي أنا أو غيري ليس بالضرورة يمثله.
بمعنى أخير لا نحن كمعارضين أو ناقدين أو ملاحظين نمثل أفقيا شعوبنا. ولا من هم على الطرف الآخر كمؤيدين ومسحجين وموالين يمثلون أيضا كل الشعب.
.. متى ندرك هذه القيمة ؟