تصعيد أردني ضد “اتفاقية الغاز الإسرائيلي” ورسائل بالجملة من الشارع والدولة لإدارة ترامب ونتنياهو
صعب جداً تخيل قرار واتجاه البرلمان الأردني لـ”تقليب “أوراق سرية لها علاقة باتفاقية الغاز مع إسرائيل بعيداً عن سياق المناكفات السياسية في الإقليم ومحاولات اليمين في إسرائيل والولايات المتحدة الالتفاف على المصالح الأردنية الحيوية وتحديداً في “القدس”.
تحولت إلى ورقة سياسية يمكن توظيفها ونصوصها لا تزال “سرية”
مباشرة، بعد قرار محكمة إسرائيلية بإغلاق باب الرحمة الذي يحمل وزير الأوقاف الأردني مفاتيحه، اندفع ملف اتفاقية الغاز من درج البرلمان إلى الواجهة بعد قرار بجلسة مناقشة عامة.
فقد شهدت المناقشة المباغتة الكثير من التصعيد البرلماني ضد الاتفاقية ومن وقعها كما قال لـ”القدس العربي”، النائب المخضرم خليل عطية، الذي جازف بالإيحاء سياسياً، باستعداد الشعب الأردني لتحمل كلفة أي “شروط مالية” جراء اتفاقية الغاز عندما تبرع باسم شركته وعائلته بنصف مليون دينار رمزياً. ما يؤشر على أن التصعيد مبرمج ومقصود سياسياً هنا ويمثل خياراً وملاذاً استراتيجياً لاستعمال أوراق أردنية في حال الإصرار على تجاهل المصالح الأردنية العليا- هو أن مجلس النواب الأردني ناقش عملياً اتفاقية لا تزال سطورها ونصوصها “سرية” ولا يعلم بها.
عملياً ودستورياً، ثمة من يجتهد بأن الاتفاقية بين شركتين، ولا يجيز الدستور للبرلمان الأردني مناقشتها أصلاً، لأنها ليست موقعة مع الحكومة الأردنية.
على الهامش، استمعت “القدس العربي” مباشرة لوجهتي نظر، الأولى للمحامي والنائب صالح العرموطي، حيث أكد أن واقع توقيع الاتفاقية بين شركتين لا يجوز الاستناد إليه، لأن هذه الاتفاقية المخجلة تؤثر على مصالح حيوية للشعب الأردني وخزينته، بالتالي من حق ممثلي الشعب أن يناقشوها.
عضو اللجنة القانونية في البرلمان، حسين القيسي، كان قد أشار أمام “القدس العربي” الى أن خلفية وخفايا الاتفاقية مريبة، والحكومة التي وقعتها رفضت عرضها على البرلمان وبصورة تثير الريبة. وبكل حال، كل الكتل البرلمانية ومن مختلف الاتجاهات قررت إعلان رفض الاتفاقية، ورئيس المجلس عاطف طراونة أبلغ نائب رئيس الوزراء الدكتور رجائي المعشر علناً بأن الاتفاقية مرفوضة حتى لو قررت المحكمة الدستورية ضرورة عرضها على البرلمان.
مثل هذه المواقف، وتحديداً لعاطف طراونة، لا يبرز بدون خلفية سياسية وضوء أخضر، أو بصورة أخرى، استثمار في ورقة أردنية فجأة بعنوان “إلغاء الاتفاقية” التي يعارضها الشارع وبقوة، وإن كانت فصولها لا تزال غامضة وسرية وطي الكتمان. والأهم هو “المرونة” التي أظهرتها حكومة الرئيس عمر الرزاز وهي تتعاطى مع موجة الانفعال المباغتة ضد اتفاقية الغاز الغامضة مع الإسرائيليين، حيث لم تتولّ الدفاع عن الاتفاقية وركزت على أنها بين شركتين وليس بين إسرائيل والحكومة الأردنية، وقررت إرسال “استفسار دستوري” للمحكمة الدستورية.
هذه المؤشرات تنتج دلائل على أن الأردن يمكنه أن يستثمر في الموقف الشعبي الرافض لاتفاقية الغاز في إطار حسابات سياسية ضيقة تناور في منطقة الدور الإقليمي والمصالح بعد الوقائع التي فرضها على الجميع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، سواء عندما يتعلق الأمر بالقدس وملفها أو عندما يتعلق بقراره المكتوب بضم الجولان لإسرائيل.
واضح تماماً في السياق نفسه بأن مناقشات البرلمان الأردني لاتفاقية الغاز الإسرائيلي أعقبها توقيع مذكرة تهدد الحكومة بحجب الثقة في حال عدم إلغاء الاتفاقية.
الأوضح أن أعضاء برلمان مقربين من السلطات ومحسوبين عليها يتولون مهمة التصعيد المفاجئ ضد الاتفاقية، والمزاج الشعبي حاد جداً عموماً، خصوصاً في انتظار ما يسمى بصفقة القرن، حيث هواجس ومخاوف متنوعة وسط الأردنيين من نتائج هذه الصفقة التي تقترب.
وحيث يمكن إبلاغ العالم بأن الأصول الدستورية والديمقراطية الأردنية تطلبت على نحو واضح الوصول إلى منطقة تشمل “مراجعة” اتفاقية الغاز، وهو ما وعد به علناً الرجل الثاني في الحكومة الدكتور رجائي المعشر.
المعروف في السياق أن الاتفاقية فرضها على الأردن فرضاً نائب الرئيس الأمريكي الأسبق جون بايدن، لأسباب سياسية، واحتفلت بها حكومة اليمين الإسرائيلي. والمعروف أيضاً أن الاتفاقية لم يدخلها الإسرائيلي في رصيد التعاون مع الأردن، وأن البديل عن الغاز الإسرائيلي متحقق اليوم، حسب عطية وغيره من النواب، عبر الغاز المصري.
وبوضوح شديد، يتصاعد الموقف البرلماني والشعبي الأردني ضد الاتفاقية إياها في الوقت الذي يشهد فيه الأردن خطاباً ملكياً تصعيدياً وخشناً بخصوص الولاية على أوقاف القدس وملف مدينة القدس حصرياً، حيث تحدث الملك عبد الله الثاني عدة مرات في هذا الإطار مؤخراً وبصورة تؤكد الالتزام برفض أي ترتيبات لها علاقة بمدينة القدس خارج سياق الثوابت الأردنية. وفي المحصلة، قد لا ينجح البرلمان الأردني بوقف نمو تلك الاتفاقية، لكن الاستثمار السياسي بورقتها واضح.