ثلاثية «الجثة والسلاح والمتهم»«… المخفي جدا» في معركة «خاشقجي»… كيف ستخمد تركيا «حماسة» السعودية للصمت؟
زيارة المعجب «استكشافية» والمفاجآت تشمل «نقاشات القتلة» بعد العملية وصور «رقمية» للسلاح المستعمل
تحتفظ المؤسسة السياسية والأمنية التركية بأوراق لم يكشف النقاب عنها بعد عندما يتعلق الأمر بالصراع والتجاذب القائم حاليًا مع المملكة العربية السعودية فيما يخص «المخفي» وغير المعلن، أو المسكوت عنه مرحليًا، في ملف اغتيال وتصفية الصحافي الراحل جمال خاشقجي.
زيارة النائب السعودي العام، سعود المعجب، تم التعامل معها في إسطنبول وأنقرة باعتبارها مجرد محطة تتضح بعدها ملامح الاستراتيجية السعودية في الجزء المتعلق باحتمالات وسيناريو التعاون مع التحقيق التركي.
هنا وبعيدًا عن صمت المعجب، وعدم تقديمه أي معلومات جديدة، وإظهاره قدرًا محدودًا جدًا من المرونة في التعاون مع سلطات التحقيق، يمكن القول ـ وكما أكد مباشرة لـ«القدس العربي» مصدر تركي عميق وواسع الاطلاع ـ بأن لدى السلطات في إسطنبول أوراقاً لم تلعب بها بعد، ويمكنها أن تحرم لاحقًا الجانب السعودي من الإفراط بالحماسة والاسترخاء على أساس ضياع بوصلة التحقيق.
يدرك الخبراء الأتراك هنا أن خلفية الصمت السعودي وعدم التعاون لها علاقة بقناعة الدوائر السعودية بصعوبة إكمال التحقيق أو نقله إلى خطوة أخرى، إجرائيًا وقانونيًا وعمليًا، بسبب عدم وجود ثلاثة عناصر أساسية في ارتكاب الجريمة جنائيًا، وهي المجرم، والجثة، وأداة الجريمة.
يبدو في هذا السياق أن غياب الأركان الثلاثة المشار إليها لجريمة قتل خاشقجي هي التي تسند الطاقم السعودي وهو يتبع استراتيجية الصمت وجس النبض بعد زيارة استكشافية لم تكن قانونية للنائب السعودي العام الذي حضر وغادر بدون تقديم أي ملفات قانونية أو معلومات جديدة.
وأظهر حرصًا على إظهار الاسترخاء بالمقابل وهو يغادر صالة كبار الزوار في مطار أتاتورك برفقة خمس عبوات ضخمة من المكسرات التركية، وخمس حقائب مليئة بالهدايا وفقًا لما نقلته وكالة الأناضول وتقارير إعلامية أمريكية.
يصر الجانب التركي الأمني، وليس السياسي، على أن مؤشرات الاسترخاء السعودي مع غياب القاتل وجثة القتيل وأداة القتل يمكن تبديدها، وعلى أن لديه من الأدلة والقرائن ما يكفل إسقاط الرهان السعودي على تقادم الجريمة بهدف امتصاص التداعيات سياسيًا وإعلاميًا، ولأطول فترة ممكنة.
يؤكد الجانب التركي هنا أن ملف قتل خاشقجي لا يزال في كنف الادعاء العام والنيابة. وهي مرحلة في التحقيق الأولي تمنع أصلاالكشف عن الكثير من المعطيات والأدلة بصفة رسمية، لأن قانون المحاكمات الجنائية والجزائية التركي ينص على سرية التحقيق في مرحلة الادعاء.
بمعنى آخر، فإن مصلحة التحقيق أثناء الادعاء تتطلب عدم كشف أدلة يقينية لها علاقة بهوية القاتل أو سلاح الجريمة، الأمر المحصن قسرًا بموجب القانون.
لكن فترة الصمت القضائي التركي قد لا تطول، لأن انتقال ملف القضية الجنائية من مستوى الادعاء إلى المرحلة الأولى في المحكمة الجنائية يؤذن ضمنيًا بأن التحقيق سيصبح علنيًا.
بمعنى آخر، لدى الادعاء أدلة وقرائن مادية، وليس رواية للجريمة فقط.
وهذه الأدلة ستصبح علنية عند الذهاب لقاضي التحقيق الجنائي الأول وفقًا لبروتوكول قانوني يمنع الادعاء من كشف ما لديه حتى لا يستفيد منه المجرم أو القاتل.
ثمة تفاصيل محددة ومرصودة ومسندة بتسجيلات صوتية أو صور يحتفظ بها الادعاء، وستصبح علنية عندما يتقدم بلائحة الاتهام مع الأسماء للمحكمة، فيما حرص الادعاء العام وفي إفصاحه الأول بعد مغادرة النائب العام السعودي، أمس الأول، على الإعلان فقط عن القصة والرواية التي ستتضمنها لائحة الظن والاتهام، ومن ثَم كشف معلومات عما حصل وبصورة تمنع أي محامي دفاع لاحقًا من التشكيك بقانونية الأدلة المادية. وهذا السياق التكتيكي معتاد ومألوف في أنماط التحقيق الجنائي الأول في تركيا، لأن المبدأ القانوني ينص حصريًا على ألا يكشف الادعاء ما لديه قبل مواجهة مباشرة مع المتهم الموجود الآن خارج تركيا.
السؤال يبقى: ماهي أوراق القوة والأدلة التي يحتفظ بها الجانب التركي ولأسباب سياسية وقانونية قبل الذهاب لعرض مفاجآت؟
قد لا تكون الإجابة متاحة بالتفصيل، لكن «القدس العربي» توثقت من مسائل محددة، أهمها وجود تسجيلات صوتية وأخرى بالصوت والصورة لأحاديث ونقاشات تبادلها القتلة السعوديون بعد الجريمة وهم يغادرون مقر قنصليتهم.
ويبدو أن لدى الأرشيف الإلكتروني التابع لصالة كبار الزوار في المطارات التي استخدمها المتهمون قبل الجريمة صور إشعاعية ورقمية يمكن أن تكشف عن طبيعة بعض المواد في الحقائب الدبلوماسية التي دخلت أو خرجت وبدون تفتيشها.
وثمة في هذا الجزء من مسلسل المواجهة توثيقات مصورة على الأرجح لبعض المواد التي تقدر السلطات التركية بأن قتلة خاشقجي أحضروها معهم في الحقائب التي لم تفتش، وتقصدوا أن لا تشترى من الأسواق المحلية، وتلك قرائن تصلح للعرض في المحكمة فقط عند الانتقال إلى مرحلة علنية التحقيق.
ومن المرجح أن الجانب التركي جاهز تمامًا لسيناريو الصمت السعودي، ولديه سيناريو مضاد في اتجاه «تدويل» التحقيق إذا ما أصرت السعودية على الاستمرار في إخفاء ركنين على الأقل من أركان الجريمة، وهما الجثة والمتهمون، في الوقت الذي تتصور فيه السلطات التركية بأن إثبات الركن الثالث، وهو السلاح المستخدم، مهمة سهلة ومسيطر عليها الآن وحتى قبل اكتمال التحقيق.