حكومة الأردن تعلنها: «المملكة تحت الحصار» وملف «التبغ ومطيع» بعد سجن وزير وجنرال يخلط الأوراق
الرسالة المثيرة التي تطرحها الحكومة الأردنية علناً ومباشرة بعد الإعلان عن اتهامات بالرشوة وإساءة الائتمان لمسؤولين كبار وسابقين- لها علاقة تكتيكية متينة بسعي رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز وطاقمه لمصارحة الرأي العام أكثر احتياطاً لأي فشل أو إخفاق مستقبلاً، ودفعاً باتجاه توفير الحجة والذريعة على أمل التمكن من التخفيف عن الناس اقتصادياً ومعيشياً.
لم يكن مألوفاً في الماضي على مستوى الحكومات أن تتحدث عن حصار اقتصادي غير معلن على المملكة. هذا تماماً ما فعلته، أمس الخميس، الناطق الرسمي باسم حكومة الرزاز جمانة غنيمات وهي تعلن لأول مرة عن حصار اقتصادي غير معلن ربطته بالظروف الإقليمية المحيطة. الوزيرة غنيمات كانت قد تحدثت في وقت سابق مع «القدس العربي» عن الكثير من الصعوبات ومستوى التحديات، وشرحت تقنية التفكير للرئيس الرزاز في التعامل مع الملفات. لكنها وفي تصريح الخميس المثير كشفت بأن جولات الخارج التي شملت تركيا والعراق وواشنطن، وحالياً دافوس، تهدف إلى تفكيك هذا الحصار ودق جميع الأبواب وفتح النوافذ لتخفيف الضغط الذي تعانيه المملكة. واستخدمت غنيمات مهارتها الصحفية وهي تزيد: الطريق متعرج وصعب والإشارات ضعيفة، لكن الحكومة تسير في الاتجاه الصحيح، والرسالة الأهم للمواطن الأردني فكرتها أن تخفيض الدين لن يكون بفرض ضرائب جديدة أو رفع القديمة. وقبل هذا التصريح بيومين فقط حاول الرئيس الرزاز لفت نظر الأردنيين إلى أنه سيعمل على خفض الدين الخارجي بدون زيادة ضرائب.
الرسالة الأخيرة تعيد تكرارها وزيرة الاتصال رداً على تحرشات في المستوى السياسي والبيروقراطي وفي مستوى الحرس القديم سخرت من القرض الأخير من البنك الدولي، وتتحدث عن أن الرزاز مضطر لرفع الأسعار والضرائب مجدداً مرتين على الأقل. وبمعنى أو بآخر، تعتذر الحكومة مسبقاً وهي تقول ضمنياً بأن المملكة تحت الحصار وأن أي وعود تخفق الحكومة بإنجازها لها علاقة بالظرف الإقليمي وليس بأداء الحكومة وخططها.
وسبق أن ألمح الملك عبد الله الثاني شخصياً إلى أن بلاده تحت الحصار الاقتصادي لأسباب سياسية. وعليه، تتبنى حكومة الرزاز، ولأول، مرة الخطاب نفسه، لكن لا القصر الملكي ولا السلطة التنفيذية معنيان اليوم بالخوض في المزيد من التفاصيل على أمل أن يقتنع الرأي العام المتأزم والحراك الشعبي المتوتر بأن الظرف الاقتصادي الحالي الصعب ليس له علاقة بالترهل والأخطاء والفساد بقدر ما له علاقة بأجندات دولية وإقليمية ذات أبعاد سياسية.
لا يتحدث المسؤولون في الأردن علناً عن مملكتهم باعتبارها تحت الحصار إلا عندما يتعلق الأمر بتخلي الحلفاء الكبار عن أزمة الاقتصاد الأردني .
المتهم ضمنياً هنا، بعيداً عن الانطباع وبدون تسميته، هو الحليف في الإدارة الأمريكية والأصدقاء في المحور السعودي؛ حيث مساعدات بقيمة صفر من جانب السعودية، واتجاهات أمريكية ضاغطة لأسباب غامضة يعبر عنها صندوق النقد والبنك الدولي.
بعيداً عن تنكر الأصدقاء والشركاء للأزمة المالية الخانقة للخزينة الأردنية، يمكن القول ظرفياً بأن الحكومة وعبر تصريح غنيمات المثير تتجه نحو الدور الإقليمي والدولي وهي تتجنب التفاصيل وتتحدث عن سعي الرزاز لمحاولة تفسر سفره الخارجي المتعدد ورحلاته إلى العديد من العواصم مثل أنقرة وبغداد ثم واشنطن وبيروت وأخيراً دافوس.
ضمنياً، يعني ذلك أن الرزاز الذي صعد لرئاسة الحكومة بناء على أجندة محلية واقتصادية فقط يسعى لتجربة حظه في المجال الدولي والإقليمي في خطوة من المنطق القول إنها تقلق وتزعج الكثير من الحساد والمتربصين وخصوم مشروعه المدني الذي لم يعد مدنياً فعلاً من الناحية العملية.
وهي خطوة، في الظرف الزمني، أعقبت بوضوح تمكن الرزاز وعبر متابعة فضيحة التبغ والسجائر، من الإطاحة برأسين كبيرين تم توقيفهما رسمياً وبصورة خشنة توحي بأن ملف الفساد يتدحرج باتجاه شبكة من النافذين بعدما أفلتت تحقيقات ملف التبغ ورجل الأعمال السجين عوني مطيع من سياقها الفني الجمركي وأصبحت قضية رأي عام مفتوحة على الاحتمالات.
وجود وزير وجنرال سابقين خلف القضبان، ومعهما أربعة موظفين كبار من إدارتي الجمارك والمناطق الحرة على هامش تحقيقات التبغ والسجائر- خطوة جريئة من حكومة الرزاز قد لا تسعفه لاحقاً في ضبط إيقاع الشارع المتطلع دوماً للمزيد، والذي لن يشبع إلا برؤية رؤوس كبيرة أخرى قيد التحقيق.
ملف التحقيق بالسجائر والتبغ يستخدمه الرزاز بذكاء للداخل والخارج .. وهنا تحديداً تكمن المفاجآت المحتملة، وتجد وزيرة الاتصال الفرصة مواتية لطرح ورقتها الجديدة في المناخ العام باسم مملكة تحت الحصار.