حلفاء وأصدقاء للحكومة الأردنية يلتحقون بشريحة «الملاحظين» والرزاز يصبح «منفعلاً» وأقل صبراً
حوار صاخب جمعه مع الكباريتي وتجنب مشهد «احتجاجات الرمثا»
عمان – «القدس العربي» : ظهر رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز مجدداً في «مشهد انفعالي» وهو ينتقد «العدمية والتعميم» ولا يدافع، كما قال، عن «التفاؤل الساذج» على هامش لقاء، مساء الأحد، مع نخبة من المسؤولين عن غرفة تجارة الأردن.
بذلك يكون الرزاز، وفي أقل من شهر واحد، قد وجه رسالتين في الانفعال؛ فقبل توجيه خطاب تميز بالحدية لرئيس الغرفة التجارية نائل الكباريتي الذي أكثر من التذمر وحاول إبلاغ الرزاز بالقصور الحكومي وما يجري في الواقع، متحدثاً عن ثنائية القلق والخوف… كان رئيس الوزراء «ينفعل» في مشهد معروف أمام كاميرا مراسلة فضائية الأردن اليوم وهي تسأله، على هامش مؤتمر اقتصادي، عن ملف فساد يخص مؤسسة الضمان الاجتماعي عندما كان مديراً لها.
انفعالان علنيان في أقل من شهر من أحد أهدأ الشخصيات العامة في الأردن، حدث – بالمعني الحرفي – لا بد من التوقف عنده وملاحقة أسبابه ومبرراته. طبعاً، لا يفسر الرزاز ولا المقربون منه ما يجري. لكن الثابت اليوم أن صورة الرأي العام عن رئيس الوزراء الذي لا يؤمن بالانفعال ويميل إلى الصمت ويغرق في الهدوء، تتغير ببطء حتى كادت تلامس حافة الشخصيات التقليدية التي تنفي المشكلات وتنكر الواقع وتميل إلى عدم تقبل النقد.
اختبرت «القدس العربي»، مباشرة، حلقة جواب فيه قدر من الانفعال على سؤال مباشر عن هوية الحكومة ومشروعها وطاقمها الذي لا يشبه فكرياً ولا سياسياً رئيسها.
في كل حال، ثمة ما يوحي بأن الرزاز بدأ «يضيق» ذرعاً حتى من أصدقائه المنتقدين، حيث لا أجوبة مباشرة وأكيدة لديه على كل الأسئلة الحرجة المطروحة، وحيث لا يوجد رئيس حكومة لديه أوهام في مساحة «الولاية العامة» ويتصرف كموظف رفيع المستوى يدير الحكومة ولا يريد أن يقال عنه وعن حكومته خلاف ذلك.
الجبهة المتحالفة معه من دعاة الاشتباك مع مؤسسات الحرس القديم والقفز للأمام تجد صعوبة حتى في إقناع الأخير بمتطلبات المواجهة، فالواقع مُرّ.. و«الأشياء ليست كما تبدو» كما قال لـ«القدس العربي» أحد أبرز المقربين من رئيس الحكومة الذي يواجه صعوبات بالغة جداً في التعاطي والاختراق والتسلل وإدارة حزمة كبيرة جداً من المشكلات والتحديات من المرجح أن بعض الأطراف في الدولة والقرار تنتجها ولا تتعاون بالدرجة المطلوبة مع الحكومة لمواجهتها.
بكل حال، تعبر الناطقة الرسمية الوزيرة جمانة غنيمات عن بعض ملامح الصعوبة وهي تقول في نقاش مع «القدس العربي» بأن «التركة ثقيلة»، والحكومة تحاول بكل ما تستطيع، والواقع معقد، وأي خطة إصلاح هيكيلية لن يلمس الجميع أثرها إلا بعد سـنوات.
تختصر مثل هذه الإشارات تعقيدات الموقف، فاليومي يستهلك طاقة رئيس الحكومة الليبرالي الإصلاحي الذي يركز على خطاب الإصلاح الهيكلي الاقتصادي ويتجاهل ملف الإصلاح السياسي حتى لا يدخل في أعشاش الدبابير داخل مراكز مراكز القوى في الدولة.
لا يريد الرزاز أن يؤمن بأن قفزة حقيقية نحو التنمية السياسية قد تمكنه من العبور بصورة آمنة أكثر بالشراكة مع مؤسسات تمثيلية وديمقراطية ناضجة ببرنامجه في الإصلاح الاقتصادي الهيكلي، وينفق طاقة كبيرة من وقته وجهده في التوازنات وتقديم «جوائز ترضية» للحرس المحافظ في عمق المؤسسات حتى يستطيع التسلل أكثر بخطوات إصلاحية يعارضها من داخل الدولة كثيرون، وأحياناً من داخل الحكومة.
مؤخراً، وبوضوح، دفع رئيس الحكومة بنائبه والرجل الثاني الدكتور رجائي المعشر إلى الواجهة في إدارة مصاعب ويوميات الملف الاقتصادي، وابتعد عن مسارات أزمة مدينة الرمثا التي كانت دليلاً مباشراً على تداعيات إخفاق سياسة الحكومة الضريبية، حيث رغبة في زيادة واردات الخزينة من الضرائب بأي شكل وبكل الوسائل المتاحة انتهت بضرب مفهوم أهالي مدينة الرمثا عن «أمنهم الاجتماعي» والاقتصادي بعد شمولهم بتطبيقات منع عبور السجائر من الحدود مع سوريا.
كانت تلك ضربة قوية لم تنفذ بطريقة سهلة وذكية لاقتصاد مدينة تشتكي أصلاً من التهميش وتعتمد في رزقها على ما يحضره أولادها عبر سياراتهم من سوريا المجاورة، مع أن البعض رأى بأن الاحتجاجات لها علاقة بـ «مهربين» أكثر من علاقتها بـ«مدينة».
الانفعال في مدينة الرمثا غاب عنه الرزاز واكتفى بتعليق عام يتحدث عن اعـتزاز الحكومة بأهالي المدينـة. لكنه اليوم منفعل أكثر من أي وقت مضى، وفي طبيعته يرفض الاستسلام، لكنه بدأ يضيق ذرعاً تحديداً بآراء الأصدقاء والأشخاص الذين يعتبرهم حلفاء ويحاول زراعة الأمل في أرض جافة سياسياً خائفة من المستقبل الإقليمي ومن تداعيات صفقة القرن، ويستهلكها اليومي المعيشي أكثر من أي وقت، وتنهش أهلها المخاوف، دون قناعة بأن الطاقم الذي يدير الأمور هو ذاته الطاقم المناسب.
مغادرة الرزاز لمستويات الهدوء المعروفة عنه مؤشر سلبي على حجم الضيق في مؤسسة القرار، وضجر الحكومة من الانتظار والترقب، خصوصاً أن أصدقاء وحلفاء للحكومة بدأوا ينضمون إلى دائرة «الملاحظين».