خفايا ملاحقة وزير أشغال سابق في الأردن: بعد «التبغ» الرزاز يطرح ورقة «عطاءات الصحراوي»
لا يوجد شيء في الإطار القانوني الإجرائي باسم «طلب الإذن لملاحقة وزير سابق» في الحالة الأردنية. لكن هيئة مكافحة الفساد التابعة للحكومة، وبعد نحو ثلاثة أيام من زيارة خاصة قام بها للهيئة رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، أعلنت أنها طلبت الإذن لملاحقة وزير سابق للأشغال.
المسألة تخص استكمال التحقيق في تجاوزات وفساد مفترض، له علاقة بعطاءات طرق ضخمة. ولافت جداً هنا أن المعنيين بالإعلام في هيئة مكافحة الفساد أعلنوا عن النبأ الجديد بدون تحديد الجهة التي ينبغي أن تمنح الإذن المشار إليه. وطبعاً بدون تسمية الوزير السابق المقصود.
لكن في توابع التسريب الخبري الإعلامي ثمة ملاحظات لها علاقة بتحويل ملف عطاء الطريق الصحراوي في جنوب المملكة إلى محكمة الجنايات بصورة تطلبت، فيما يبدو، التحقيق مع وزير أشغال سابق بقي بالوزارة سنوات عدة، ويعتبر من النافذين جداً طوال الوقت. بالمقابل، ورغم أن هيئة الفساد لم تحدد هوية الوزير السابق المقصود، إلا أن منصات التواصل قررت تسميته، فكل المؤشرات تتحدث عن الوزير الذي سبق الوزير الحالي. وبكل حال، هذا النمط من الإثارة الإعلامية لا يحصل بدون ضوء أخضر سياسي وحصري من رئيس الحكومة، مع أن هيئة مكافحة الفساد تحال لها الملفات وتدقق فيها، والكلمة الأخيرة ستكون للقضاء النزيه.
«رؤوس وزارية وبرلمانية» في الاشتباك و«عشّ دبابير» قريباً
في حال الاسترسال في القراءة السياسية، يبدو واضحاً أن الرزاز يدعم إعادة فتح ملف فساد مثير جديد بعدما قطع مسافة كبيرة في ملف التبغ والسجائر.
ثمة أسباب شعبوية تتطلب مثل هذا الاتجاه من الحكومة ما دام التعديل الوزاري قد طال أمده ولم تطلق يد الرزاز لإنجازه قبل شهر رمضان المبارك.
وما دامت تتوسع في السياق النخبوي الداخلي مقولات نصب كمين لحكومة الرزاز بتأجيل تعديلها الوزاري إلى ما بعد مراقبة حراك الشارع في شهر رمضان، وبصيغة تضمن للدولة وخياراتها التضحية بالحكومة ورئيسها إذا ما حصل انفلات اجتماعي يؤدي إلى مساس أمنى أو انفعال حراكي صاخب من النوع الذي ينتهي بالعادة بإسقاط الحكومات.
الرزاز أخذ على عاتقه الشخصي علناً قضية التبغ والسجائر، وأمره الملك عبد الله الثاني علناً أيضاً بكسر ظهر الفساد، ووصف الرزاز نفسه قبل أشهر عدة وقبل أيام من تسليم واعتقال المتهم الرئيسي في قضية التبغ عوني مطيع، بأنه سيمضي في مشوار مكافحة الفساد إلى حدود الاستشهاد.
يبدو اليوم أن الروح الاستشهادية تلك، أو المغامرة إذا جاز التعبير، تطل برأسها مجدداً ووسط دعم وإسناد دولي كبير هذه المرة، بحيث تمنح الضوء الخضر حكومياً لاقتحام في عش دبابير جديد من الوزن الثقيل، له علاقة على الأرجح بملف وقصة العطاءات وتشابك تعقيداتها.
معروف وسط السياسيين والبرلمانيين الأردنيين بأن وزير الأشغال السابق النافذ والمثير للجدل، الذي صمد سنوات طويلة، سامي الهلسة، حظي بدعم كبير من رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة في عهد حكومة الرئيس هاني الملقي. ومعروف أيضاً أن الرئيس الرزاز رفض التجديد لسامي الهلسة والتعامل مع الضغوط عندما شكل حكومته العام الماضي، الأمر الذي يجعل وزارة الأشغال عموماً في حضن الألغام التي يسعى الرزاز لتفجيرها مجدداً.
في كل حال، سبق لموظفة رفيعة المستوى في دائرة العطاءات أن اشتبكت علناً مع وزيرها في قضية يعرفها الرأي العام عندما قدمت بلاغاً لادعاء هيئة الفساد يتحدث عن تجاوزات فنية وإدارية ومالية.
يبدو أن شفافية هيئة مكافحة الفساد لم تغفل تلك الحيثيات طوال سنتين، وواصلت التدقيق والتمحيص إلى أن اكتمل الملف وأصبح حسب الخبر المسرب قريباً من التحويل لمحكمة الجنايات الكبرى وصيغة تتطلب الإذن بالتحقيق مع الوزير المعني في ذلك الوقت وبتهمة إساءة استغلال الوظيفة دون تحديد الاسم طبعاً بصفة رسمية وقاطعة.
فتح ملف السجائر والتبغ لا يزال قيد التعقيد الشديد وخلف القضبان بسبب ذلك وزير سابق ومدير عام سابق للجمارك هما منير العويس ووضاح الحمود، إضافة إلى نجم المسلسل الرئيسي رجل الأعمال عوني مطيع. بالقياس هنا، يمكن القول بأن الغطاء رفع عن وزارة الأشغال في عهود سابقة.
ويعني ذلك إذا ما سمح للحكومة بالاسترسال في التحقيق احتمالية مشاهدة رؤوس كبيرة جديدة خلف قضبان التحقيق القضائي، مع أن عدم تسمية هيئة الفساد لوزير الأشغال الأسبق الذي تقصده في تصريحها المسرب لا مبرر له قانونياً ودستورياً، فالوزير السابق يمكن توقيفه والتحقيق معه، ومحاكمته تتطلب تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب.
في كل الأحوال، ملفا السجائر والطريق الصحراوي في عمق بؤرة التجاذب والتناطح الآن بين عدة مراكز قوى داخل المؤسسات وخارجها. والرزاز يحاول الاستثمار في المشهد والتصدي لسيناريوهات ترحيله التي تنمو نسبياً بطريقته الخاصة.
وثمة بارزون عالقون اليوم وسط تقاطع الأجندات والتجاذب. والمشهد الأردني عموماً مفتوح، على رأي رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، على مفاجآت من الوزن الثقيل.