خفايا وأسرار ليلة الإطاحة بـ «التركيبة الأمنية» في الأردن: عودة مفهوم «الأمن السياسي» وبصمات للرزاز
يبدو المجال، فجأة، وبعد طول صبر مؤسسة القصر الملكي الأردنية، مفتوحاً على مواجهة مثيرة وعميقة مع سلسلة ظواهر أقلقت الرأي العام مؤخراً وأظهرت وجود «شروخ قوية» داخل بنية ومؤسسات الحكم والدولة.
الأمر بوضوح يتعلق هنا بنشاطات وتغريدات واجتماعات ساهم في بعضها «أفراد في العائلة المالكة» وصنفت بأنها تمس بمفهوم «الأمن السياسي» العام وبالمرتكزات الدستورية، ولم يتحرك ضدها مدير المخابرات السابق الجنرال عدنان الجندي.
كيف غادر الشوبكي والجندي… ومن يزاحم «مرتكزات الدستور»؟
ويتعلق ثانياً بعلاقات تم التيقن منها قامت على اساس غامض بين موظفين «أمنيين» خالفوا قواعد المهنية والانحياز الدستوري واقاموا «علاقات استغلال وظيفية» مع رموز إما في قطاع المقاولات أويزعمون انهم يمثلون المعارضة في الخارج مع «تسريبات» غير مهنية وتنطوي على نكايات «شخصية».
كما يتعلق ثالثاً بمفهوم العمل ميدانياً، وفي مستويات متدنية من التموقع الأمني الميداني، ضد اتجاهات القصر الملكية، مع ندرة الامتثال ومحاولة «مضايقة» رئيس الوزراء الحالي الدكتور عمر الرزاز. يمكن ببساطة الاستدلال على تلك الوقائع، ولكن ليس فقط من «نصوص صريحة» وردت في الرسالة المهمة التي وجهها الملك عبد الله الثاني مساء الأربعاء لمدير المخابرات الجديد الجنرال أحمد حسني بعد «إقالة وتكريم» سلفه الجنرال عدنان الجندي بصورة توحي بأن الأخير لم «يقم بما ينبغي» في المواجهة والاشتباك.
ولكن أيضاً- وهو المهم- من تتبع مضمون بعض العبارات التي وردت في نص رسالة الجنرال حسني نفسه رداً على تكليفه، حيث التزم أمام المرجعية الملكية بالتعاطي أولاً، وبحزم مع أي محاولة للمساس بمرتكزات الدستور، وهي عبارة تعني بأن مفهوم الأمن السياسي سيطبق و«على الجميع» وسيعالج أي محاولات معاكسة.
وثانياً، تحدث الجنرال حسني في رده عن التزام مؤسسة المخابرات بإسناد «بيئة محفزة لقواعد الدولة الحديثة»، وهي صيغة لم ترد سابقاً قط في الأدبيات المماثلة وتنتمي على الأرجح إلى قاموس ولغة ولهجة رئيس الوزراء القوي الدكتور عمر الرزاز، حيث «بصمات» للأخير من الصعب إنكارها في كل «المشهد الأمني» أيضاً ومن أسابيع عدة.
هنا، وفي التحليل، وبعيداً عن حسابات الغرفة الأمنية المعقدة، يمكن القول بأن «إقصاء» مدير المخابرات الأسبق والتغيير الكبير في التركيبة الأمنية، قبل يومين، وقبل كلام الملك عن «التصرف مع عناصر قليلة في المخابرات مارست استغلال الوظيفة» خطوات حصلت بالتزامن التراتبي بعد «عاصفة تغيير مناصب في القصر الملكي» أعقبت عدة معطيات برزت مؤخراً.
هنا يمكن رصد التالي: فجأة تبدأ هيئة مكافحة الفساد بالتحرك للتحقيق مع ما سمته بـ «وزير أشغال سابق» بتهمة استغلال الوظيفة، وفجأة يعود «إعلامي أردني مقيم في الولايات المتحدة عزف مطولاً على نغمة المعارضة» .
تلك معطيات لها علاقة بالمشهد الأردني المرسوم الآن على بيكار ملكي «عاصف وغاضب» في ليلة الإطاحة بالتركيبة الأمنية، حيث أقيل الجندي بعد إقالة مستشار الملك الأمني الجنرال فيصل الشوبكي، وعادت رئاسة المؤسسة الأمنية الأهم لجنرال جديد من أهل المهنية والكفاءة عمل في الإطارين الداخلي والخارجي طوال خدمته ورد على الملك برسالة وطنية وسياسية بامتياز.
رسالة تكليف الملك للجنرال حسني كانت أصلاً قد غادرت تماماً كل المألوف في مثيلاتها وتضمنت نقاشاً صريحاً ولأول مرة في العديد من التفاصيل يرقى إلى مضمون سياسي ووطني.
يفترض قبل كل شيء أن يعلم الجنرال الجديد حسني أنه قفز إلى موقعه الجديد للتعامل مع التوجيهات الملكية الجديدة التي ستراقب بحرص وخلال وقت قصير.
لاحقاً، الاشتباك الملكي ارتفع في مصارحته، وسبقته دلالات مهمة جداً، ويفترض أن يقرأه أيضاً الرزاز ورئيس مجلس النواب عاطف طراونة وعلى أساس بوصلة أكثر وضوحاً اليوم في الشأن الداخلي حصرياً، حيث تلويحات وتهديدات ملكية مباشرة لا مجال للادعاء بعدم الإصغاء لها.
المعلومات التي تأكدت منها «القدس العربي» من مصادر رفيعة توحي بأن المرحلة التي يسمح فيها لأي شخصيات رفيعة المستوى بإطلاق تغريدات إلكترونية «خارج الشرعية الدستورية والسرب والمسموح» انتهت تماماً.
تغيب مفهوم الأمن السياسي عن الجنرال عدنان الجندي، حيث أقيل الأخير بعد ترفيعه، وحيث-وهو الأهم- تنطوي رسالة الملك لحسني على «الأسباب» الحقيقية التي أطاحت بالجندي وأبعدته بعد تكريمه برتبة «فريق».
جزء من مسؤولية الأمن الوطني السياسي هنا احتواء التعليقات والتصريحات المثيرة التي تصدر، وكما نصت رسالة الملك «خارج الدستور ومؤسساته ومرتكزاته» عن «شخصيات، بصرف النظر عن هويتها» في إشارة واضحة صعب إنكارها هنا لتعليقات مماثلة تشمل «الجميع وبدون استثناء» بمن فيهم أعضاء العائلة المالكة.
في المضمون، يمكن القول أن ما تقوله رسالة عاهل الأردن إن مرحلة التساهل إزاء تجاوز الدستور انتهت بصرف النظر عن مكانة أي شخص أو طرف، أملاً في تجنب القراءات المغرضة في المجتمع والحراك والبنية الاجتماعية والعشائرية لأي نشاطات تقوم بها شخصيات رفيعة.
في الأثناء، رسالة مباشرة أكثر ندرة لجهاز المخابرات نفسه تفوض مديره الجديد بالتصرف لعدم تكرار «الأخطاء الفردية» التي تسيء للجهاز ولغالبية عناصره، خصوصاً عندما يتعلق الأمر باستغلال الوظيفة لأغراض الصالح الشخصي.
وهنا تحديداً ثمة دور في الكواليس لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في تقديم قرائن وأدلة على تغريد بعض العناصر في الماضي خارج سرب التوجيه الملكي.
الإشارات على الأرجح عن تسريب وثائق ومعلومات والتدخل لصالح عطاءات وتنشيط حلقات معلومات لمعارضين في الخارج وإجراء اتصالات مشبوهة والتدخل ضد استقرار المؤسسات المرجعية، وهي كلها اتهامات قد تتحول قريباً إلى ملفات في القضاء العسكري.