روايتان لـ«الأزمة الصامتة» بين السعودية والأردن… الملك سلمان: «ظروف الجميع صعبة»
عبثاً استعان رئيس الوزراء الأردني الدكتور عمر الرزاز بنائبه المخضرم والخبير الدكتور رجائي المعشر بعد المصالحة الشخصية بينهما في محاولة لتفكيك ألغاز الموقف السعودي بعد الزيارة الأخيرة للرياض.
إلى الرياض، وفجأة، وفي هوامش قمة تونس العربية، سافر الرئيس الرزاز برفقة الجنرالين الأهم في بلاده، رئيس الأركان محمود فريحات، ومدير المخابرات العامة عدنان الجندي. لم يعرف الرأي العام الأردني بعد، لا أسباب هذه الزيارة الثلاثية المفاجئة ولا نتائجها.
وفدان في أقل من أسبوع حاولا تجاوز ما بعد مؤتمر إسطنبول وملف القدس
لكن الواضح، وحسبما رشح من أوساط الرزاز تحديداً، بأنها كانت زيارة قصيرة جداً وناشفة إلى حد ما سياسياً واقتصادياً، مع أنها ضمنت للثلاثي الأردني مقابلة سريعة مع الملك سلمان بن عبد العزيز وانتهت بتصريح رسمي أعقبه رسالة حملها رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز بمضمون من الملك عبد الله الثاني تتضمن الحديث عن ظروف صعبة جداً تمر بها المنطقة والأمة العربية تتطلب التنسيق العميق.
طبعاً، الملك السعودي من جانبه، أطلق عبارات تنطوي على مجاملة.
لكن ما أثار استغراب الرزاز ودفعه للاستفسار لاحقاً هو إشارة من ملك السعودية إلى أن «ظروف الجميع صعبة هذه الأيام».
قُرئت العبارة الأخيرة بوضوح على أساس أنها محاولة سعودية لإعاقة أي مطالب أردنية في البعد المالي والاقتصادي بمعنى الاعتذار سعودياً وبصورة مسبقة قبل طلب أي شيء أصلاً، رغم أن الأردن رفع من استراتيجية الاعتماد على الذات ولم يعد يراهن على أي حزمة لها علاقة بمساعدات من المملكة السعودية المجاورة.
واضح تماماً أن زيارة الرزاز ووفده انطوت على رسائل ملغزة من الجانب المضيف، حيث لم يحضر الاجتماع أي من كبار المسؤولين السعوديين النظراء للوفد الأردني الزائر. بمعنى أن مسؤولي رئاسة الوزراء السعودية تغيبوا عن اللقاء، وكذلك النظراء من المؤسستين العسكرية والأمنية.
تلك إشارات لا تقبل الالتباس عملياً عندما يتطلب الأمر قراءتها بيروقراطياً، فالسعودي يستقبل الوفد ورسالته المكتوبة أو الشفوية، لكنه يكثر من المجاملات اللفظية ولا يريد مناقشة أي مشاريع ثنائية أو قضايا مشتركة.
في كل حال، لم تمنع الزيارة التي لم تحقق شيئاً مرصوداً حتى اللحظة من تكرار الاستقبال وبحفاوة، وبعد أيام قليلة فقط لوفد أردني آخر برئاسة رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز، الذي نقل رسالة مكتوبة هذه المرة مغرقة في التضامن والمجاملات أيضاً إلى خادم الحرمين الشريفين، واستقبل بحفاوة هو ووفده المرافق، التي لم يلقها عملياً الرزاز وصحبه.
وكانت إطلالة الفايز على الشقيق السعودي قد أثارت الجدل أصلاً في عمان لأن الرأي العام لم يفهم حتى اللحظة مبررات إرسال وفد الأعيان بعد أيام فقط من وفد الرزاز وبصورة توحي بأن المياه الراكدة تحاول عمـان تحريكها مع الرياض على أمل أن ينتقل الطـرفان من مسـتوى التنـسيق المتدني الحالي المليء بالتحفظ والتردد والتصـورات السـلبية المشـتركة. وثمـة من يـتصور بأن الأردن راغـب في إصـلاح ما أفسـدته من تشـنج في علاقته مع السعودية أزمةُ القدس ومؤتمـر إسطـنبول.
وثمة ما يشير إلى أن بعض الأطراف في حكومة عمان تحاول تطرية الأجواء أملاً في تحويل وديعة سعودية أرسلت مؤخراً بقيمة 300 مليون دولار إلى منحة، واستئناف اتصالات تجمدت منذ أكثر من عامين تحت عنوان مشاريع الاستثمار المشترك.
الرواية الأردنية لأسباب التشنج، التي لا تقال علناً، لها علاقة بسيناريو سعودي ضاغط على الأردن ويحرمه من التضامن الاقتصادي والاستثماري والمالي لأغراض تخص طريقة التعاطي السعودي مع الأردن بعيداً عن الدولة وخياراتها ومصالحها، وقريباً من التبعية الجغرافية والوصاية السياسية، وفي مساحة أقرب من التحدث مع القبائل والعشائر بدلاً من الدولة والمؤسسات.
في رأي الخبراء في العمق الأردني، لا تستحق بلادهم هذا النمط من التعامل غير المبرر بعد صعود نفوذ العهد الجديد في الشقيقة الكبرى.
في الرواية السعودية لنفس الحدث ثمة إشارات تصدر هنا وهناك إلى أن الجانب السعودي مستعد للتعاون الاستثماري ولدعم المشاريع، لكنه لا يريد الخوض في تفاصيل تزعم الرياض أنها سلبية ومزعجة.
رواية الجانب السعودي أيضاً تتحدث عن مبالغات وتهويل في الحديث عن الحساسية بين البلدين، وعن رعاية رسمية باطنية لهتافات أو مقالات أو تقارير صحافية تنتقد السعودية وقياداتها ورموزها خلافاً للعادة.
كما تتحدث عن مطبات وكمائن بيروقراطية بالجملة وضعتها الحكومة الأردنية أمام مستثمرين سعوديين حضروا بقرار سياسي، وتحديداً لبناء استثمارات في مجال الطاقة البديلة وفي منطقة العقبة الخاصة.
بين الروايتين تتوه دوماً بوصلة الحقيقة وتحتفظ كل من عمان والرياض بمساحات تردد أو بقصص وتسريبات واستنتاجات لا تعلن ولا تناقش علناً.
أما تلك الزيارات فقد تخدم وظيفتها المحدودة، وهي إظهار الأردن لرغبته في «البقاء على اتصال»، لأن المسؤولين في عمان يتمرسون في تقديم طلبات حتى ترفض، فيما نظراؤهم في الرياض يتمرسون اليوم في تجاهل الطلبات أصلاً.