سيول الأردن: «الجاهزية» قيد الشكوك و«المواطن المراسل» يتكرَّس في روايات «مناكفة» وأحياناً «مفبركة»
الرزاز «سيئ الحظ»… إخفاق في برنامج «الإنذار المبكر»
وصل فيضان السيول الأردني إلى نهايته تقريباً مع صباح الأحد، لكنه وضع بصمته مجدداً على شكل سؤال سياسي وشعبي حول مبدأ «الجاهزية» بعد التهام 12 ضحية غرقاً وبقاء أجهزة الدفاع المدني في حالة بحث عن طفلة واحدة مفقودة في مدينة مادبا جنوب العاصمة عمان.
عندما يتعلق الأمر بسؤال الجاهزية يمكن ببساطة ملاحظة: أولاً، «سوء الحظ» العاثر الذي يرافق رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بعد حادثتين بسبب السيول الجارفة. وثانياً، استعارته العلمية التي حضرت في وقت متأخر سياسياً وهو يتحدث عن فيضان مطري ناتج عن «التغيرات المناخية»، وهي الإشارة التي لم تستعمل في حادثة البحر الميت قبل أقل من شهر عندما غرق 21 أردنياً.
في كل حال، وخلافاً للمألوف، تحتفظ ذاكرة الأردنيين اليوم- وفي العصر الحديث وبعد الاسترسال البيروقراطي في الحديث عن الجاهزية والمجالس العليا- بأسوأ حوادث السيول التي نتجت بكل حال عن ضعف ثقافة التجاوب الشعبية مع تحذيرات المؤسسات المعنية بالقدر نفسه الذي نتجت فيه عن «ضعف الجاهزية».
أهم وأخطر ما في سيول فيضان الجنوب مع نهاية الأسبوع الماضي أنها كشفت ضعفاً لم يكن متوقعاً في البنية التحتية وفي الجاهزية البيروقراطية ميدانياً، وإن كانت حكومة الرزاز قد أدارت المواجهة بشكل منتج أكثر قياساً بما حصل في البحر الميت قبل ثلاثة أسابيع.
في السيول الأخيرة ظهر أن ثمة خطة، على الأقل والأهم جلس الفرقاء في مركز الأزمات وفي اجتماع طارئ وتم التعامل مع الحيثيات وإنقاذ وإغاثة آلاف الأشخاص بالرغم من احتمالية وجود ضحايا بين الطمم.
وبدا واضحاً أن دخول القوات المسلحة على خطوط مواجهة السيول أحدث فارقاً ميدانياً في سيول الجنوب الأخيرة، حيث مساهمة فعالة جداً في تأمين مدرعات ناقلة لتأمين السياح الذين تقطعت بهم السبل، وحيث طائرات للمساعدة في المسح والمراقبة والبحث عن ضحايا أو عالقين.
وفي الأثناء، أظهر كادر الدفاع المدني قدرات كبيرة على التصرف وبإمكانيات مادية ولوجستية محدودة قبل أن تهتز الثقة مجدداً بالكوادر العاملة في مجال الرصد الجوي وقدرات التوقع لحالة الطقس، الأمر الذي سيعيد الأردنيين لقراءة النشرة الجوية من مصادر خارجية لاحقاً.
مجدداً، تكرس مفهوم المواطن المراسل؛ فالرسائل في التغطية الإعلامية وعلى حواف مسيرة السيل الجارف كانت تصدر عن الأهالي وفي المواقع البعيدة التي لا يستطيع الإعلام التقليدي الوصول إليها.
تلك واقعة أرهقت «الرواية الحكومية» أيضاً وفي عدة مراحل، حيث أظهر المواطنون ميلاً شديداً لمناكفة أي رواية للناطق الرسمي بالصوت والصورة مع ما يتلازم طبعاً من فبركات ومزاعم وإصرار على أن عمليات الإنقاذ قام بها الأهالي وليس الأجهزة الرسمية، وبصيغة تؤكد القناعة بأن المزاج الشعبي يحتفظ أصلاً بميله – حتى خلال الكوارث – للرواية السلبية المضادة للسلطات الرسمية.
وقد ظهرت جرعة المناكفة هنا على أكثر من صعيد انتقائي وبلغة ساخرة من الحكومة، خصوصاً عندما أعلنت إجلاء وترحيل السياح، ونشرت صوراً لشاحنات صغيرة لمواطنين تنقل السياح الأجانب تنديداً بالرواية الرسمية.
ورغم ظهور روح مقاتلة وفدائية في بعض المناطق من أهل الجنوب الذين تقاسموا الإغاثة وتفاعلوا مع الحدث بروح جماعية، خصوصاً في حماية الأجانب واستضافة من تقطعت بهم السبل، إلا أن سلوكيات سلبية أيضاً بالجملة ظهرت من مواطنين ساهمت في إعاقة رجال الأمن المحليين الذين كان السيل الجارف يزور مناطق عملهم ويضطرون للمواجهة بوسائل بدائية وقبل وصول المساعدة.
هنا حصرياً، حرص بعض المواطنين في ظاهرة تحتاج إلى قراءة أعمق على «فبركة» بعض المشاهد لإثبات أن النجدة لم تحضر من السلطة وأجهزتها وأنهم تصرفوا من تلقاء أنفسهم.
بين المشاهد تلك، حمل أطفال رضع، والادعاء بأن الأهالي أنقذوهم، والإكثار من انتقاد رجال الأمن وهم يعملون، والشكوى التذمر الذي يرافق بالعادة بعض القواعد الشعبية مع أن التقصير في التخطيط بدا ملموساً خصوصاً عندما تعلق الأمر بغياب منهجية «الإنذار المبكر»، حيث مسار متوقع لسيل الأمطار الجارف، وحيث كان ينبغي ترحيل وتأمين المواطنين في المناطق التي سيصلها السيل بصورة أسرع وضمن خطة مبكرة ينبغي أن تكون موضوعة سابقاً، وهو أمر- عملياً – تحدثت عنه لجنة التحقيق البرلمانية في حادثة البحر الميت وأقرت الحكومة في وقت سابق بأن الجاهزية لمواسم الشتاء تنقصها فعلاً خطط الإنذار المبكر.