صحافة إسرائيل وخفايا تسريبات تستهدف الأردن بالتعاون مع «ذباب سعودي»… وسلاح الجغرافيا والديموغرافيا «يتيم»
السؤال الأهم في مركز القرار: إذا ألقيت «صفقة القرن» في أحضان الدولة… ماذا نفعل؟
وصلت غرفة الرصد الأردنية مؤخراً إلى استنتاجها الرقمي الأهم. في الشهر الأخير فقط نشر وبث الإعلام العبري والإسرائيلي 23 قصة مسربة ضد الأردن.
وفي الأسبوع الأخير من الشهر نفسه انتقل ضابط الإيقاع الذي يروج للسلبية في الحالة الأردنية إلى مستويات أكثر تشكيكاً، حيث ست قصص مسربة على الأقل بعنوان «وجود خطر حقيقي لتقويض النظام».
آخر تلك الحكايات العبرية كان بطلها الدكتور عوديد عيران السفير الإسرائيلي الأسبق في الأردن، الذي لم يتمكن عملياً طوال عامين على الأقل من النظر عبر نافذة تطل على شارع في عمان العاصمة.
بكل حال، ينشغل ضابط تسريب المعلومات الإسرائيلي بالتشويش والتشويه عندما يتعلق الأمر بإثارة القلاقل والقلق معاً في الأردن.
ذلك بالتأكيد لا يحصل صدفة؛ فآخر إحصائية قررتها لجنة أردنية عميقة واطلعت «القدس العربي» عليها تتحدث عن الذباب الإلكتروني السعودي باعتباره مسؤولاً عن 40 % على الأقل من الأخبار السلبية ضد الأردن. تلاه الذباب الإسرائيلي في المرتبة الثانية وبنسبة 28 %. ثم حل الذباب الذي يتبع المخابرات السورية بالمرتبة الثالثة وبنسبة 24%.
تلك طبعاً قد تبقى مجرد أرقام، لكنها تكشف عن استعصاء المبادرات وعمق الأزمة في بعدها الإقليمي، حيث ينكشف ظهر الأردن دبلوماسياً بوضوح، وحيث صعوبة تواجهها كل خلايا العمل والأزمة القديمة والجديدة عند «البحث عن صديق أو حليف». مؤخراً فقط، وعلى أمل إنجاز تموقع استراتيجي جديد، تم «تبديل» الطاقم الأردني الذي يتواصل مع خلية أمريكية سياسية بواجب أمني كانت تتجول بين عمان وواشنطن.
يبدو أن هذا التبديل التكتيكي أربك مستشارين صغاراً في الإدارة الأمريكية؛ لأن اثنين من نظرائهم على الأقل أقيلا فجأة. مثل هذا التبديل التكتيكي يمكن فهمه على أساس بسيط، فمركز القرار الأردني يبحث عن معلومات من الأمريكيين.
كانت تلك محاولة لتوجيه رسالة تلفت النظر، حيث قال مسؤول أردني كبير للقنصل الأمريكي الجديد «كارين ساساهار»، في عشاء مغلق وبعد حضورها إلى عمان من القدس دون تنسيق أيضاً.. «لا تستطيعون التعامل مع حلفائكم بهذه الطريقة».
سألت الدبلوماسية الأمريكية عن المقصود، فقيل لها بأن إخفاء المعلومات قصداً مريب، والاستمرار في الحديث عن صفقة القرن دون وضعنا بالصورة يعني أنكم تجازفون بالوضع الأردني الداخلي وتضغطون عليه.
عند الاستزادة، أشار الفلتر الأردني إلى أن بعض الأهداف التي تريد واشنطن الوصول إليها يمكن إنجازها بصيغة أقل خطراً وضرراً «في حال التشاور معنا» . وفي كل حال، لا تزال المؤسسة الأردنية بانتظار أي معلومة حاسمة من أي نوع لها علاقة بما يسمى بصفقة القرن.
في أقرب نقطة لمركز القرار الملكي المرجعي، سمعت «القدس العربي» مباشرة سؤالاً استفهامياً باللهجة الأردنية المحكية: .. ماذا نفعل .. إذا «دبوها» علينا؟
السؤال مترجماً كالآتي.. ما الذي يتوجب أن نفعله إذا ما قرر الأمريكيون والإسرائيليون فجأة إلقاء ما يسمى بصفقة القرن بحضن الأردن؟
في التفاصيل محظوران في غاية الخطورة، كفيلان ليس فقط بتشويه سمعة الأردن بل بتأسيس وصفة لحرب أهلية وهما القدس وحق العودة. وما يقترحه الخبراء على عقل الدولة الأردنية اليوم هو مناورات ومبادرات تعيد إنتاج السلاح الأردني الفعال، الذي يريد الإسرائيليون والسعوديون تحديداً تخديره لصالح سيناريو غامض يمكن أن يعصف باستقرار المنطقة. هذا السلاح هو «الجغرافيا والديمغرافيا».
الوصفة هنا واضحة الملامح، وأي مجازفة بالمصالح الأردنية تعني أو ينبغي أن تعني لاحقاً المجازفة بأمن إسرائيلي، والأردن هنا لن يكون «الخاسر الوحيد» إذا ما حاول أي طرف العبث بالجغرافيا أو الديمغرافيا.
واضح تماماً أن رئيس الأركان الأردني الجنرال محمود فريحات يلوح حتى بالخيارات العسكرية، وهو ما أشار إليه ضمناً في إفطار جديد، مساء الإثنين أمس الأول، عبر الحديث عن صمود الأردن في موقفه الملكي وعن وجود جيش قوي لا يقبل المساس بمصالح الشعب الأردني.
في الأثناء، تجد ماكينة الحكومة صعوبة بالغة في إفهام المجموعات المضطربة داخلياً أو المعترضة أو تلك التي تتبنى حراكاً متطرفاً في الشعار والهتاف بأن تصليب الجبهة الداخلية وتمكين الدولة والقصر الملكي من «لاءاته الثلاث الشهيرة» هدف لا يمكن تحقيقه في حال الاسترسال في تبني روايات التشويش وتسريبات القلاقل من الإعلام الإسرائيلي.
وهو أيضاً هدف صعب في حال مشاغلة الدولة بمشكلات داخلية تخدم إسرائيل وصقور السعودية والبيت الأبيض، وتضعف موقف الدولة التكتيكي فيما يطالبها جميع الأردنيين بالصمود ضد صفقة القرن .
رغم كل الاحتياطات يحصل المحظور .. تسترسل ماكينة إعلام دولة الاحتلال في ترويج الحكايات عن مخاطر تقويض النظام في الأردن ويسترسل البسطاء من الحراكيين، ومن المواطنين أحياناً، في إعادة نشر وترويج تلك الحكايات.
في التوازي، يبدأ سيناريو مؤتمر المنامة في العزف على أسوأ التجليات الأردنية؛ لأن محللاً سياسياً بارزاً من وزن عدنان أبو عودة أصر عدة مرات وهو يتحدث لـ «القدس العربي» على أن ما يسمى بصفقة القرن مستند إلى فكرة السلام الاقتصادي. وهو نفسه السيناريو الذي حذر منه دبلوماسي مخضرم وخبير من وزن وزير الخارجية الأسبق ناصر جودة.