قاموس سعودي جديد فجأة في ملف «دعم الأردن»: تلويح بـ «التوظيف» ووعد بـ «أساليب مبتكرة» غامضة واهتمام بمحور «التنمية المستدامة»
فجأة وبدون مقدمات، وبعد غياب تام عن المشهد الإعلامي والدبلوماسي استمر لسبعة أشهر، عاد السفير السعودي المثير للجدل في الأردن الأمير خالد بن فيصل، ليتصدر الحديث عن «أساليب مبتكرة» ستدعم بلاده بواسطتها الأردن الشقيق وعلى قاعدة «الأخ مع شقيقه».
التفصيلة اليتيمة التي ذكرها السفير الأمير عن منسوب الابتكار انحصرت فقط في الإشارة إلى أن الابتكار السعودي هنا عبر «خلق المزيد من الوظائف» للأردنيين تقديراً للظرف الاقتصادي. دون ذلك لا توجد تفاصيل.
تجاهل تام لمقررات «لقاء مكة» ولفعاليات صندوق بن سلمان الاستثماري
الأهم أن السفير الأمير يتجاهل تماماً ما فعله حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد وهو يبلغ رئيس وزراء الأردن عمر الرزاز، الأسبوع الماضي، بأن الإمارات ستنعش ما تقرر في لقاء مكة الشهير الرباعي، حيث تقرر تقديم مليارين ونصف مليار لدعم الأردن بعدة طرق لم تدفع إطلاقاً.
لسبب غير مفهوم حتى اللحظة، لا يريد سفير السعودية الذي كان يتحدث في عمان أمس مع نخبة سياسيين وأكاديميين، إظهار أي قدر من الالتزام بمقررات لقاء مكة الذي استضافته بلاده.
فوق ذلك، لا يريد الدبلوماسي المخضرم حتى «ملامسة» الحاجة الأردنية الملحة لتخفيض العجز في الميزانية أو الالتزام بما سبق أن التزم به الأمير محمد بن سلمان بخصوص ثقل استثماري في الأردن. ويعرف السعوديون بأن علاقاتهم مع الأردن يشوبها الكثير من التجاذب هذه الأيام.
سياسياً، يمكن القول إن الحديث عن «أساليب مبتكرة» دليل إضافي على أن السعودية لا تريد تقديم المساعدة الحقيقية أو الفارقة أو المطلوبة مالياً واستثمارياً، لأن الرسالة الضمنية في عبارة «أساليب مبتكرة» تحاول طمأنة الأردنيين حول المخاوف الأبرز وتلك المتعلقة بوجود 450 ألف أردني يعملون في السوق السعودية، وهو بكل حال الرقم الذي أعاد السفير التذكير فيه بلغة «مبطنة» لا تنطوي عملياً على أي ابتكار. قبل ذلك بيوم واحد تماماً، تحدث وزير المالية السعودي محمد جدعان، وهو يلتقي بالرزاز على هامش مؤتمر لندن، عن اهتمام بلاده بدعم ما سماه بـ «التنمية المستدامة» في الأردن.
لأول مرة تماماً تدخل المؤسسات السعودية تعبيرات «غامضة ومطاطة» على سجلها العلني المتعلق بملف «دعم الأردن»، حيث لم يسبق للأدبيات السعودية أن استخدمت عبارات من طراز «أساليب مبتكرة» أو «تنمية مستدامة» بصيغة توحي مجدداً بأن المأمول أردنياً على الأقل أصبح من الصعب تحقيقه في ظل واقع العلاقات السياسية بين الأردن والعهد السعودي الجديد.
يبرز هنا بوضوح تأثير خلافات سياسية على مستوى الدعم السعودي الذي ستعمل «لهجة» تمترست وراءها بالعادة الدول الغربية الصديقة للأردن، وهي خلافات لها علاقة مرة بأولوية الصراع مع إيران وأخرى بالملف الفلسطيني، والاعتراض على التطبيع المسترسل وراء الستارة بين اليمين الإسرائيلي والمؤسسات القريبة من الأمير محمد بن سلمان.
السفراء الغربيون كانوا بالعادة يحاولون «تحفيز» الأردنيين عندما يتحدثون عن مشاريع لتخفيف البطالة وتوفير وظائف والعمل على استدامة التنمية في لغة لم تكن مسبوقة على صعيد العلاقات مع النادي السعودي، ويتباين معها بوضوح الإماراتي عندما يتحدث عن العودة لمقررات لقاء مكة أولاً، ثم يتباين معها الكويتي وهو يتحدث عن دعم مباشر للخزينة الأردنية والمزيد من الودائع في البنك المركزي الأردني.
القاموس السعودي الجديد هنا ينطوي على ملاحظات نقدية لها علاقة بضعف الأداء التنموي الأردني، وهو ما لم تكن الرياض تتحدث عنه سابقاً، كما يرتبط بإيحاءات يمكن أن يفهم منها بأن المناكفة السياسية الأردنية للبوصلة السعودية يمكنها فعلاً أن تهدد «وظائف الأردنيين» في السعودية، هو العنصر الذي وقف طوال الوقت وراء التهدئة الأردنية والصبر على المغامرات السعودية، خصوصاً في ملف المسجد الأقصى والقدس. وبهذا المعنى يصبح القاموس السعودي هنا مدعاة لتأمل أكبر في وقائع وحقائق الخلاف الأردني السعودي وراء الستارة.
وهو كذلك، لأن الابتكارات السعودية «اللفظية» هنا، بكل حال، تزامنت حصرياً مع الضغط البريطاني والدولي على الرياض على هامش تحضيرات مؤتمر لندن المخصص لدعم الأردن وتحصين اقتصاد المملكة.
والمعنى أن السعودية مضطرة، وبسبب الضغط الغربي، إلى «قول أي شيء» تجاه دعم الأردن بسبب الرغبة البريطانية في إنقاذ أجندة مؤتمر لندن الذي تراهن عليه بقوة الحكومة الأردنية. وبالتالي، لم تقدم السعودية أي مبالغ يعتد بها في هوامش تحضيرات لندن، لكنها قررت في المقابل الإكثار من الكلام المقلد لما يقوله السفراء الغربيون بالعادة عن التنمية المستدامة والأساليب المبتكرة التي يمكن لاحقاً انتظار سنوات لترسيمها وتحديدها قبل تفعيلها والاتفاق عليها أصلاً. وهنا يمكن ببساطة ملاحظة أن السفير السعودي لم يتطرق إطلاقاً للصندوق السيادي الاستثماري المقرر قبل ثلاثة أعوام والصادر من أجله تشريع أردني خاص بدلالة صريحة على أن الخلافات مستمرة وسياسية، والعلاقات لا تزال سلبية، والحديث المتبادل اليوم يتم «عبر الآخرين».