«كلب بوليسي» في طريق حكومة الرزاز: «مطب» جديد… تهويل من الشارع أم رسالة «سياسية» من جهة ما؟
استدعاء مباغت للراحلين وصفي وهزاع والأمن بحث عن أسلحة وذخائر وليس متفجرات فقط
تكشف حادثة «الكلب البوليسي» التي أغرقت الأردن بالجدل على مدار ثلاثة أيام متواصلة عن سلسلة لا تنتهي من الإشكاليات سياسية الطابع، ليس فقط على صعيد مستوى التجاذب والتشكيك بين المؤسسات، ولكن أيضاً على صعيد أو مسار موقف الشارع والرأي العام أصلاً من حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
الرزاز ظهر في مشهد مشوش وملتبس تماماً، الثلاثاء، أمام ميكرفون مجلس بلدية مدينة إربد الكبرى وهو يحاول العبور بين مساحات الألغام التي زرعها في طريقه كلب بوليسي أحضره رجال الأمن إلى مقر البلدية للتفتيش ضمن إجراء أمني غامض قبل نحو 30 ساعة من زيارة مقررة يقوم بها الرزاز ونخبة من طاقمه لمقر تلك البلدية التي تعتبر الثانية بعد عمان العاصمة في المملكة.
كان يمكن لحادثة الكلب أن تعبُر، ببساطة، على أساس أنها إجراء روتيني ليس غريباً جداً في ظرف إقليمي وأمني حساس واتخذ بعد معلومة أمنية على الأرجح، كما يقدر النائب خليل عطية وهو يحاول تفكيك المبالغة في قراءة المسألة شعبياً برفقة «القدس العربي».
عملياً، يظهر كلب البوليس المتخصص بالكشف عن الأسلحة والذخائر والمتفجرات بين الحين والآخر، وعلى هامش بروتوكول أمني له علاقة إما بإجراءات أمنية محضة من النوع الذي لا يحتاج أصلاً إلى موافقة الحكومة أو رئيسها عليه، أو قبل اجتماعات دولية وإقليمية في مناطق مغلقة وفيها ضيوف كبار وشخصيات مهمة جداً وتتطلب وجود الكلاب البوليسية للتوثق من السيارات.
ظهور كلب بوليسي أردني بين الحين والآخر.. من المشاهد المألوفة، خصوصاً أن تلك الكلاب معنية باشتمام وجود سلاح أو ذخائر وليس فقط متفجرات.
وأغلب التقدير أن الرزاز لا يعرف بطبيعة البروتوكول الأمني ولا بتلك الإجراءات التي اتخذها إقليم أمن الشمال في مقر البلدية، فالمؤسسات الأمنية تقوم بواجبها فقط، وضمن سياق من الكتمان والتحسب، بصرف النظر عن المستوى السياسي.
لذلك بدا غريباً جداً أن يبالغ الرأي العام، وخصوصاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، في الحديث عن كلب البوليس الذي أجرى تفتيشاً أمنياً قبل حضور الرزاز لمقر البلدية التي زارها لاجتماع تشاوري ومناقشة مشكلاتها بناء على طلب وإلحاح من رئيسها. وأنتج نشطاء على «فيسبوك» من أبناء مدينة إربد جملة من السخط الشعبي على الإجراء باعتباره سابقة، فكلب البوليس لم يستخدم في الخدمة سابقاً ضمن نطاق تأمين حركة رئيس أي حكومة.
ولأن الشارع التواصلي يتلقف أي قضية.. تدحرجت المسألة باتجاهات عدة.
الاتجاه الأبرز سياسياً تمثل باستذكار في غير مكانه لشخصيتين بارزتين في تاريخ الأردن الحديث، هما: هزاع المجالي ووصفي التل، وكلاهما استشهدا في أحداث تفجيرات أمنية في مرحلة مضطربة قبل أكثر من أربعين عاماً.
وأحضرت المقاربة هنا على أساس المقارنة نكاية بالرزاز، رغم أن الرجل أقر ضمنياً وعلناً بأنه لا يعرف شيئاً عن مسألة الكلب والتفتيش الأمني.
تقصّد غاضبون وحانقون ومتربصون بالحكومة استحضار شخصيات من وزن المجالي والتل ضمن رسالة ضمنية يعتقد المراقبون أنها ليست موجهة للرزاز أصلاً، بل لجهات أعمق من حكومته.
في كل حال، لم يقل الرزاز يوماً إنه زعيم وطني أو في طريقه لاستلهام مشروعي التل والمجالي، وعلى العكس تماماً؛ سمعته «القدس العربي» عدة مرات مباشرة يتحدث بصيغة تؤشر على وجود فوارق بين رئيس وزراء يتم تعيينه لأداء مهام محددة وبين رئيس وزراء منتخب.
مجدداً، لا أوهام عند الرزاز بمسألة الزعامة ولا رغبة بدخول التاريخ.
لذلك، بدا مشوشاً قليلاً ومستغرباً للضجة التي أثارها شريط فيديو مسرب يظهر كلباً بوليسياً وهو يفتش مقر بلدية إربد عشية زيارة رئيس الوزراء.
وقال الرزاز لمحدثيه في مقر البلدية بأنه شاهد الشريط في اللحظات الأخيرة، وصدرت منه جملة تؤشر على عدم وجود صلة بينه وبين الإجراء، عندما أضاف مفردة «ولكن» إلى جملة تشكر الأجهزة الأمنية.
كما ظهرت جملة أخرى توحي بالاعتراض على مطب الكلب البوليسي وهو يقول بأنه بين أهله وربعه في مدينة إربد، دون أن يرفض الإجراء أصلاً، ولكن بقصد الإشارة إلى أن حكومته لا علاقة لها بإجراء احترازي أمني حتى يصل إلى انطباع عند المستمعين في الشارع إلى أنه شخصياً لم يطلب هذا الإجراء، لا بل لا يعجبه في الواقع، خصوصاً أن رئيس الحكومة سبق أن أوقف سيارته في الشارع العام مرات عدة وظهر بلا حراسة أو مرافقين.
النقطة الأخيرة التي تبدو أكثر إثارة هو شعور مقربين من الرزاز بأن مسألة الكلب البوليسي قد تضخمت بقصد، ليس من الشارع فحسب، وبصورة تثير الارتياب، وهي نقطة لا يحب الرزاز حتى التفكير بها عندما يتطوع آخرون للتأشير عليها.