كهرباء الأردن «سر نووي» والغاز مزيد من «الألغاز» وملف الطاقة «ثرثرة» غامضة وحكومة بلا «تخطيط»
تريد وزيرة الطاقة الأردنية النشطة هالة زواتي، على نحو أو آخر، التعامل معها باعتبارها «بشرى سارة» للشعب بعنوان «تعويضات كمية قريباً من الغاز المصري».
ساعات قليلة فقط فصلت بين إعلان زواتي للنبأ السار عبر «تويتر» وظهور صوت متهدج ومنفعل عبر إحدى الإذاعات لأكاديمي رفيع المستوى من خبراء الطاقة والكهرباء هو البروفوسور محمد حسن الزعبي، الذي كان يصرخ: للأسف، أنا وأمثالي من الخبراء لم نُدعَ إطلاقاً لأي اجتماع تشاوري أو فني. وتبدو مفارقة ليست من النوع الذي يثير اهتمام الوزيرة زواتي ولا حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز.
لكنها تحصل، فالموسم يفتي فيه الجميع في مجال الطاقة والكهرباء والغاز المصري وشقيقه الإسرائيلي، والجهة الحكومية المختصة قررت مسبقاً أن تتحدث مع الجميع باستثناء خبراء البلد وعلماء الطاقة في الجامعات الأردنية من شريحة «لا ناقة لي ولا بعير».
ذلك لا يعني إلا أن الحكومة لديها «أجندة مسبقة» وتسترسل في إنفاذها ولا تريد الإصغاء لأي مؤسسة محلية أو وطنية لها رأي «فني مستقل».
والأهم هو ما ألمح إليه نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي في اجتماع رسمي قبل أسابيع من أن الحكومة تتعامل مع ملف الطاقة باعتباره مسألة سياسية أومحكومة فقط بالاعتبار السياسي.
ولا يعارض النقيب الزعبي، على هامش حوار مع «القدس العربي»، الاستنتاج بأن ذلك «مطب كبير» يواجه أزمة استراتيجية عريضة المنكبين بعنوان «فاتورة الطاقة» في الأردن وسط بحر من الألغاز.
هنا يمكن ببساطة ملاحظة أن الخطاب المرجعي والرسمي والحكومي الأردني برمته يرفع أمام الشعب هتاف «فاتورة الطاقة».
لكن المعالجات والحلول لا تزال غريبة وسرية وسط سؤال يردده الجميع، ولا أحد في السلطة يريد الإجابة عنه: لماذا بنيت أصلاً استراتيجية الإدارة الاقتصادية الأردنية منذ سنوات على أساس «إنقاذ» أو سداد ديون شركة الكهرباء فقط؟
يبدو السؤال أقرب إلى «سر نووي» لا ينافسه في تأسيس مفارقة أردنية بامتياز إلا ملاحظة وزير التخطيط الجديد الدكتور محمد العسس، التي يرددها لزملائه الوزراء بعد تعيينه وزيراً لـ «التخطيط والتعاون الدولي» حين يقول: وجدت وزارة معنية بالتعاون الدولي، لكن لا يوجد أي رائحة «تخطيط».
ما الذي كان يفعله عشرات من وزراء التخطيط في ربع القرن الماضي ما دام «كبيرهم» العسعس لا يجد شيئاً في هيكل وزارته اليوم له علاقة بالتخطيط؟
هذا أيضاً سؤال من الصنف الاستعصائي يعود بأي نقاش حول ملف الطاقة الأردني الغامض إلى المربع صفر، خصوصاً أن الوزيرة زواتي تبالغ في «التغريد» والإفصاحات الإلكترونية وتقدم للشارع عشرات الوجبات بدون «دسم».
تظهر الوزيرة النشطة زواتي في كل زوايا مشهد الطاقة، وهي تزف النبأ السار تلو الآخر، لكن دون اكتمال أو نضوج أي مقترح، فقد وعدت الأردنيين بتصدير الكهرباء للعراق ولبنان ومصر والضفة الغربية، حتى وجه لها الناشط والإعلامي، سهم العبادي، رسالة قصيرة:»معالي الوزيرة.. نؤيد تصدير الكهرباء للدول المجاورة لكنها مقطوعة الآن في قريتنا».
وزارة الطاقة لا تفسر للرأي العام سبب وقف تصاريح «الطاقة البديلة» فجأة بعد التوسع فيها، ولا سبب التوسع قبل ذلك في مشاريع الطاقة البديلة من الشمس أو الرياح.
وأخفقت الوزارة والوزيرة تماماً رغم عشرات النداءات البرلمانية في تفسير بند «فارق أسعار المحروقات» الذي يلفح فاتورة كهرباء المواطنين، وهو بند من المعيب -برأي برلماني من حجم خليل عطية- أن يبقى بدون شرح أو تفصيل أو مبرر.
طبعاً، قبل كل ذلك، لا يمكن لأي أردني -مهما بلغ من العمر أو الخبرة عتياً- أن يفهم معادلة «تسعير المحروقات والكهرباء»، أو أن يفهم بوضوح وصراحة ما الذي تخطط أن تفعله حكومة الرزاز بخصوص «اتفاقية الغاز» مع «العدو الإسرائيلي»، فعمليات ومقاولات «الحفر» متواصلة كما يلاحظ النقيب الزعبي والنائب عطية، بالرغم من إعلان رئيس مجلس النواب عاطف طراونة بأن تلك الاتفاقية غير شرعية وساقطة حكماً وبالرغم من إعلان الرزاز نفسه بأن حكومته «ستراجع الاتفاقية»، وهي عملية لاحظ النائب صالح العرموطي بأنها «لا تحصل أصلاً».
يقف السر الأكبر في ملف الطاقة الأردني عند قصة التركيز على «سداد ديون شركة الكهرباء» التي تسببت بأكثر من ثلث عجز الميزانية، التي تتبعها منشآت عملاقة لا بد أن تعمل وتشتغل رغم التسارع الكبير في آلية وكلفة إنتاج الطاقة البديلة، كما يلاحظ البروفيسور الزعبي.
الجميع يريد أن «ينقذ شركة الكهرباء» في الأردن. لكن لا أحد في السلطة والمؤسسة يشرح للناس لماذا وعلى أي أساس وكيف؟
وسط فوضى الأسئلة وأنيميا الأجوبة، تعود الوزيرة زواتي لزف البشرى الجديد بعنوان «تعويضات كمية من الغاز المصري» لتغطية فوارق الكميات التي لم تصل أيام تفجير أنابيب نقل الغاز للأردن في مرحلة الربيع العربي.
يحصل ذلك دون معرفة الرابط مع استمرار الحفريات والاستملاكات لصالح الغاز الإسرائيلي بالتزامن مع التعويض الكمي المصري.