اختصرها الوزير الأسبق والإعلامي الأردني الأبرز محمد داوودية من مشهدها الختامي عند التشخيص وبعد حادثة الخطأ الذي أساء للجيش السوري على محطة المملكة.
قال على صفحته التواصلية: نصف شعبنا مع اردوغان ونصفه الثاني مع بشار، أما نصفه الثالث فمتهم بالإقليمية والعمالة للأردن.
سألت إحدى المتواصلات داوودية عن كيفية وجود «ثلاثة أنصاف» فأجاب بأنه لا يعرف. وعملياً، مثل هذا النقاش دخل بقوة إلى الواقع الأردني الداخلي بعد محاولة محمومة لتفسير الحرب التي أعلنها بعض النشطاء الأردنيين من أنصار النظام السوري على محطة تلفزيون المملكة إثر خطأ ارتكبته واعتذرت عنه قبل فصلها من وظيفتها المذيعة ساندي الحباشنة.
الحباشنة كانت قد أخطأت التعبير بالحديث في نشرة إخبارية عن «جيش الاحتلال السوري» وبررت عبر الإشارة إلى أن غرفة الأخبار كانت مليئة بأخبار جيش الاحتلال الإسرائيلي فاختلط عليها الأمر.
لاحقاً، شن سوريون وأردنيون معاً حملة شرسة على المذيعة والمحطة. وتحدث طارق خوري، وهو عضو برلمان مقرب من دمشق، عن «خيانة» قبل أن تعكس المسألة أصلاً مستوى الأزمة في العلاقات الأردنية السورية.
في الأثناء، رصدت ماكينة رسمية وأمنية على الأقل نحو 130 تغريدة و»بوست» لأردنيين في العمل العام يحاولون المبالغة في التحدث عن الخطأ، وكانت تلك إشارة قوية إلى مستوى تواجد واستحكام اللوبي الأردني الداخلي الذي «يبايع» الرئيس بشار الأسد «زعيماً للأمة» وليس فقط لسوريا، كما قال أمام «القدس العربي» مرات عدة، أحد أبرز المحامين الأردنيين.
لافت في السياق أن الأردنيين الذين تستخدمهم أحياناً أجهزة الدولة في بلادهم لإيصال وتبادل رسائل مع النظام السوري أفرطوا في الحماسة للرد على «الإساءة» التي وردت من محطة المملكة، لكنهم تجاهلوا تماماً الرد على أو حتى مناقشة ما قاله ركن أمني بارز في المعادلة السورية هو الجنرال بهجت سليمان، عندما سجل جملة سخرية غير دبلوماسية من «المملكة الهاشمية» دون أن يتصدى له أي من رفاقه في الفرع الأردني.
في المقابل، حاول نشطاء عديدون الوقوف عند محطة اعتذار القناة التلفزيونية والمذيعة علناً للسلطات السورية والإشارة إلى سلسلة من الجرائم التي ارتكبها النظام السوري ضد الشعب الأردني ودولته ليس في الحاضر فقط ولكن في الماضي.
وهنا حصرياً برزت محاولة من أردنيين لاستحضار أرشيف محاولة الجيش السوري في الماضي «احتلال» جزء من أراضي الشمال الأردنية ومناصرة مجموعات مسلحة كانت تعلن حرباً لتحرير فلسطين عبر تحرير عمان.
النشاط واضح خلال أيام العيد الأخيرة على جبهة اللوبي الأردني الموالي للنظام السوري وبصوت مرتفع لا مجال لتجاهله والخمول بالمقابل أوضح على جبهة هؤلاء عندما يتعلق الأمر بالإساءة إلى بلدهم، خصوصاً من جهة طرف سوري رسمي.
أما «الكسل» فيضرب أوتاره بقوة بجسد الحكومة المنهك الذي لا يبادر ولا يعلق على مسار الأحداث ويترك الاشتباكات في الوقت الذي يشير فيه داوودية إلى المفارقة المتعلقة بحصص وافرة لزعماء عرب وأجانب في عمق المجتمع الأردني، من بينهم الرئيس بشار الأسد والرئيس رجب طيب اردوغان على حساب انحياز الأردنيين لبلدهم.
ثمة سطر أكثر حساسية في تعليق شخصية مثل داوودية قد يؤدي إلى استنتاجات حساسة نسبياً بخصوص «ولاءات» النشطاء الأردنيين من أصحاب الصوت المرتفع، بمن فيهم حلفاء الدولة الأردنية الذين يطلب منهم إيصال أو تلقي رسائل سواء مع سوريا أو تركيا أو حتى السعودية وبقية دول الخليج.
تلك «جملة محرجة» ومسكوت عنها في أدبيات النخبة والسلطة الأردنية، ولا تريد مؤسسات القرار الإقرار بها وإن كانت تعكس، عملياً ونسبياً إلى درجة كبيرة، مستويات متقدمة من «غربة الأردنيين» عن دولتهم وأزمتهم مع مؤسساتهم.
والأهم، تعكس درجة متقدمة جداً من الأدلة على اختراقات أفقية لا يمكن الاستهانة بها لدول وأنظمة عدة في الجوار للحالة النخبوية الأردنية إما على صعيد حزبي أو برلماني أو حتى إعلامي وأحياناً تجاري واقتصادي.
وهنا، لا بد من التذكير بأن الدولة الأردنية تعرف الفارق بين «حصة» الرئيس بشار الأسد من الخريطة المحلية، وبين حصة الرئيس اردوغان الذي لا يوجد لديه أنصار من أي نوع في الحالة الشعبية والسياسية الأردنية بقدر ما يتعاطف ويتضامن مئات الأردنيين مع خطابه السياسي متأثرين أحياناً بالعلاقة الإيجابية بين تركيا والإخوان المسلمين وأحياناً أخرى بدون تأثير.
وعليه، تبدو مفارقة سياسية بامتياز مثل الأمراض التي يكشف عنها البرد عندما يتعلق الأمر بما أنتجته من «تدقيق وتعمق» حادثة خطأ مذيعة في تلفزيون مستقل في عمان تحول إلى استعراض لحضور لوبي الرئيس بشار في الساحة.