كيف نهزم صفقة القرن على طريقة الإعلام المصري
الأردن بلد صغير وضعيف الإمكانات لكنه يستطيع رفض الصفقة الأمريكية ورفض تلك الوقائع التي يحاول فرضها اليمين الإسرائيلي المتطرف
كنا صغارا فعلا قياسا باي محاولة لفهم مقال مصري شهير بعنوان «كيف نهزم إسرائيل بالفول المدمس».
شخصيا أزعم بأن من ولد في عمان تحديدا تناول طبق الفول المدمس ولو مرة واحدة على الأقل أو عدة مرات في مطعم هاشم الشعبي الشهير في وسط المدينة.
وكل من تناول الطبق إياه قرأ اللافتة الضخمة المزروعة على حائط المطعم والتي تتحدث عن هزيمة إسرائيل بالفول المدمس حيث مقالة مصرية قديمة وشهيرة وساخرة جدا نشرت في مرحلة الاستنزاف.
اليوم وفي المشهد الأردني الحقيقة صارخة وتصطدم مباشرة برأس الجميع حيث كمين صفقة القرن يتربص تماما بالأردن الذي نعرفه جميعا وبكل ما تعنيه الكلمة وتقتضيه من خبث ودهاء التربص.
المستوى الرسمي الأردني يعلن أنه لا يعرف شيئا عن صفقة القرن.ليس من نافلة القوم وجود شكوك بحقيقة هذا الإعلان فإحدى أهم النظريات في السوق تتحدث عن علم مسبق وتورم وعلى أساس أن قطار تلك الصفقة يمضي ويخترق الأجواء ولا يمكن وقفه.
استمعت إلى سياسيين مخضرمين وكبار يتحدثون بلغة واقعية ويقرون مسبقا أنهم لا يستطيعون هزيمة إسرائيل لا في حرب عسكرية ولا بالصواريخ ولا حتى على الطريقة المصرية بالفول المدمس.هؤلاء يتحدثون مجددا عن الواقعية قياسا بالظروف والامكانات.
وتلك الواقعية تعرض اليوم وسط النخبة الأردنية على أساس أن صفقة القرن إياها ليست وهما بل حقيقة لا بل قدر في بعض الأحيان.وحده سياسي من وزن طاهر المصري وصف الصفقة أنها ليست قدرا ويمكن اسقاطها.
ووحدهما الملك عبدالله الثاني ورئيس السلطة الفلسطينية يرفعان الصوت في كل الاتجاهات ضد الصفقة وتوابعها.
الصفقة بمعنى أو بآخر وقبل ولادتها أو نضوجها أصبحت «أزمة أردنية» بامتياز من الواضح أن بعض المستويات السياسية تتجهز للتعاطي مع هذه الأزمة.لكن من الواضح بالمقابل أن الثوابت الرسمية المعلنة تنسجم مع مزاج الشعب وتظهر قدرة الأردن على المناورة والتكتيك وتعكس الاحساس العام بالمسؤولية التاريخية وتحاول أن تقول إن الأردن بلد صغير وضعيف الإمكانات لكنه يستطيع رفض الصفقة الأمريكية ورفض تلك الوقائع التي يحاول فرضها اليمين الإسرائيلي المتطرف.
لكن السؤال بالمقابل يتواصل بالعنوان التالي: اتخاذ موقف من أي قضية.. هل يعني توفر الجاهزية الفعلية لفرضه ؟.
أقل السياسيين شأنا في الأردن يعتقد أنه لا الإدارة الأمريكية ولا غيرها في موقع فرض أي صفقة غير واقعية بدون الشعبين الأردني والفلسطيني، المطلوب منهما قبل أو أكثر من غيرهما إدارة تلك الصفقة وتحمل عواقبها ونتائجها وتداعياتها.
أسمع يوميا ذلك الكلام عن تصليب وتمتين الجبهة الداخلية كخطوة أولى وأساسية في بناء استراتيجية وقائية ووطنية ضد خطة السلام القادمة في مرحلة حساسة جدا.
وحتى نتحدث بصراحة ما أسمعه شخصيا بالسياق مجرد كلام فتمتين الجبهة الداخلية مهم جدا لكن الجبهة الداخلية محتارة وغير منقسمة أصلا ومنهكة اقتصاديا وما يحتاج لتمتين وتصليب قد يكون جبهة المؤسسات والسلطة.
لا نريد الغوص في مستنقع التكهن في مرحلة صعبة لكن الاتجاه بإيجابية وفعالية نحو هدف وطني نبيل بعنوان «الحفاظ على الوحدة الوطنية الداخلية» له مقتضيات وله احتياجات ومتطلبات وهنا حصريا تكمن الاشكالية.
لا يمكن تحقيق الأهداف النبيلة بنوايا على نظام القطعة أو غير واضحة وبدون اظهار مصداقية حقيقية في إدارة الأزمة بصيغة وصورة لائقة بمستوى التحدي الذي تفرضه الصدمة أو الصفقة.
وتلك النوايا من الصعب انجازها بدون تلبية الاحتياجات الأساسية لما تعنيه فعلا كلمة اصلاح وتحول. لا يمكن اعداد طبق العجة بدون تكسير البيض. ولا يمكن اعداد طبق فول مدمس بدون فول.
بمعنى آخر ومختصر المعركة في المواجهة والاشتباك الداخلي وعند صفحتها الأولى تبدأ من اللحظة التي تقنعنا فيها كمواطنين السلطة أنها جادة في المواجهة.يمكن اعاقة وليس اسقاط صفقة القرن اذا ما توحدت فعلا الجبهة الداخلية.لكن هذه الجبهة لا يمكنها التوحد بدون متطلبات اعداد طبق العجة واقلها انتخابات حقيقية ونزيهة تخلو من العبث واللعب على المكشوف بقواعد نظيفة وتغيير أدوات الإدارة الحالية وتنشيط الفلاتر والاستعانة بطبق رجال الدولة العميقة والتوقف عن سياسة إعلامية تعلي من شأن الرداءة وتعيد الكرامة للمهنية على حساب الولاء المسموم، كما تعيد الكرامة لمنهج المواطنة ودولة المؤسسات حقا وفعلا وليس ورقا ولفظا.
طبعا لا يمكن هزيمة إسرائيل بالفول المدمس إلا إذا كان القصد موجة ضحك وابتسامة وسخرية لأغراض التسلية فقط.
وفي حالتنا كأردنيين من الصعب إعاقة صفقة القرن بمخزون عدس استراتيجي لأربعة أشهر أو بفول مدمس أو بدون تكسير البيض اللازم وهي وظيفة ومهمة يعرف جميع أصحاب القرار تفاصيلها.