لماذا تقدمت «المظلة البريطانية» لمساعدة الأردن؟ رعاية ليست «مجانية» ومخاوف من «مشروع سياسي» في الأفق
تبدو «المظلة البريطانية» التي تحركت فجأة في محاولة لمساعدة الأردن اقتصادياً وعزل استقراره الاقتصادي عن سياق التفاعل الغامض والمتسارع بين العهد السعودي الجديد واليمين الإسرائيلي أكبر من خطوة في الاتجاه الاقتصادي لدولة كبيرة وحليفة فقط.
ثمة ما يوحي بأن الإدارة البريطانية لملف العلاقة مع الأردن تقصدت توجيه رسائل سياسية عدة في غاية الأهمية من وراء الوقفة الأخيرة مع الاقتصاد الأردني، وبصيغة توحي بأن المنطلقات والأهداف «سياسية» بامتياز قبل أي اعتبار آخر.
لندن حشدت الفرنسيين مع اليابانيين وبدأت تتواصل في «العمق»
وتترقب النخب الأردنية العميقة والخبيرة، خصوصاً في الطريقة البريطانية في العمل والإدارة، «نتائج» الجملة البريطانية المعترضة التي قدمت «مساعدة» للأردن قبل وصوله إلى «حافة خطرة»، على حد تعبير دبلوماسي بريطاني مطلع.
المساعدة هنا سياسية ولا يمكن مبكراً تحديد سقفها الفاعل اقتصادياً، ومن الناحية الفنية وعلى ضوء ما أعلن بالأرقام يقترح سياسي واقتصادي أردني مخضرم من وزن الدكتور محمد حلايقة وعبر «القدس العربي» عدم التسرع في الرهان والبقاء في مستوى «الواقعية».
النخبة تنتظر وباهتمام «الخطوة التالية»، فلندن برأي سياسيين كبار استمعت لهم «القدس العربي»، لا تفعل ما تفعله بدون إطار ومضمون، والأهم مشروع سياسي، خصوصاً عندما تعلق الأمر بتسهيل عبور نحو 130 من رموز القطاع الأردني الخاص لحضور المؤتمر الأخير و»جلب» وزراء مالية دول خليجية مثل السعودية والكويت إلى الطاولة مع نظيرهم الأردني.
هنا حصرياً ثمة ما يوحي في المناخ السياسي الذي رافق كواليس مؤتمر لندن بأن الجانب البريطاني بدأ يظهر «اهتماماً أكبر» بالملف الأردني في الآونة الأخيرة، والوصفات البريطانية بدأت تتسرب وتتسلل بصيغة نافذة أكثر في العمق الأردني البيروقراطي والإداري والسياسي، وأحياناً الأمني، من باب تعزيز الاستقرار.
صحيح، أن البوابة كانت في مؤتمر لندن «اقتصادية واستثمارية». لكن العاصمة البريطانية هدفها برأي الخبراء أعمق سياسياً، والمناخ العام يربط فعاليات مؤتمر لندن وما رصده الأردنيون من تسهيلات بريطانية لم تكن متوقعة أو سجلت كمباغتة بمشروع سياسي محتمل لتحصين الأردن قبل أي اعتبار آخر من تداعيات التحول الإقليمي.
وعليه، يمكن التحدث من الآن عن «رعاية سياسية» لبعض الأفكار الإصلاحية من جهة الحكومة البريطانية للأردن، بما في ذلك تعزيز دور ونفوذ وحضور مؤسسة «ولاية العهد» مثلاً، أو الانتقال لاحقاً وبسرعة أكثر من المتوقع إلى جرعات أعمق من الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي.
والمظلة البريطانية لها دلالات عميقة في توجيه رسائل لعدة أطراف في الإقليم تعنى باستقرار المؤسسة الأردنية وعزلها عن سياقات أي ترتيبات ثنائية ذات بعد استقطابي. وعليه، لاحظ الوفد الأردني في لندن بأن الاهتمام كان كبيراً من المؤسسة الملكية البريطانية أولاً، ولاحقاً من حكومة المحافظين، وكذلك من السلطة التشريعية، وحتى من المؤسسات الأمنية، خصوصاً بعدما تم «تجديد دماء» طاقم بريطاني يعمل لأقرب مسافة مع صناع قرار مركزيين في العاصمة عمان.
في كل الأحوال، نجح الصديق البريطاني في إحضار وزراء مالية عرب وفي إقناع الأمريكيون بتوفير غطاء لفعاليات مؤتمر لندن الممنهج على أساس مساعدة الاقتصاد الأردني.
في الكواليس، طلب البريطانيون من وزراء أردنيين التوقف عن سياسة طلب الأموال النقدية وإيقاف عرض مشاريع سابقة، والتحدث بلغة علمية أكثر عن مشاريع استثمار ثنائية مع الدول المانحة.
وفي الأثناء، دعم البريطانيون – كما علمت «القدس العربي»-إقحام الاتحاد الأوروبي في التزامات محددة ومتساهلة تدعم الاقتصاد الأردني مع تقديم قروض ومنح قد تصل إلى مليارين ونصف المليار على الأقل مع منحة مشتركة مع الفرنسيين على خمس سنوات، في الوقت الذي كانت فيه دولة مثل اليابان حاضرة بإطارين؛ منحة بـ 100 مليون مباشرة للخزينة الأردنية، وقرض ميسر بضعف المبلغ سيحول فوراً للبنك المركزي الأردني.
عمان نخبوياً، وبعد إعلان انتهاء فعاليات مؤتمر لندن، بدت مسترخية أكثر من أي وقت مضى، وبدأت تتصرف على أساس وجود «حليف قوي وصلب» لها تحت نداء المساعدة، وعلى أساس أن الجانب البريطاني هو الذي سيهتم بجلب المساعدة السعودية ونجح في تبديل لهجة الرياض وتحريكها نسبياً مؤخراً. لكن الشعور بدأ يتعاظم حتى في عمق أروقة النخب والقرار الأردني بأن المساعدة البريطانية «ليست مجانية» وستؤدي قريباً إلى زيادة حصة النفوذ البريطاني في عمق معادلة الإدارة الأردنية، الأمر الذي ترحب به، همساً وسراً وخلف الستارة، العشرات من النخب الأردنية فعلياً، على أمل الحد من الترهل الإداري والمجازفات في إدارة الملفات والانتقال لمستوى بمصداقية عالية من الإصلاح السياسي. وأيضاً على أمل تعزيز الاستقرار العميق في حال بروز أي مشروعات سياسية مهمة قريباً على المستوى الإقليمي.
لكن هذه التسهيلات البريطانية التي عبرت عن نفسها بالجملة في مؤتمر لندن وتحت عنوان «أيها الأردنيون، لن نترككم» بدأت بالتوازي تخيف وتثير هواجس الثمن السياسي والترتيب لما يسمى «صفقة القرن» عند أبرز القبائل الأردنية، مثل قبيلتي بني حسن وبني عباد، حيث صدرت بيانات حراكية ثقبت أسقف التعبير المألوفة شعبياً ونتجت عن مخاوف «الدفء البريطاني» المفاجئ … وتلك طبعاً قصة أخرى.