ليلة خميس «معناش» الثالثة في الأردن: لهجة الحكومة تتبدّل وتنتقد «العدمية والعبث»
استبقت الحكومة الأردنية، صباح أمس الخميس، سهرة احتجاج جديدة وطازجة على الدوار الرابع في قلب العاصمة عمان بخطوتين من نمط احتوائي قد لا تساهمان بالنتيجة في تقليل عدد المتظاهرين تحت إطار يحمل اسم حملة «معناش» ويطالب بإسقاط النهج الاقتصادي للدولة.
في وقت مبكر من صباح أمس أعلنت وزيرة الاتصال، الناطقة الرسمية باسم الحكومة جمانة غنيمات، قرار الرزاز بالإفراج عن الموقوفين والمعتقلين إدارياً لأسباب سياسية دون شمول المطلوبين جنائياً.
وقرنت هذا النبأ بتحذير شديد اللهجة مجدداً تقول الحكومة فيه إنها تفرق ما بين حقوق التعبير السلمية وأي مخالفة للقانون. لكن الإضافة الجديدة في لغة الحكومة والناطق الرسمي تمثلت هذه المرة بالتنديد بما سمته الوزيرة غنيمات بأجندات خارجية تستهدف النيل من الدولة الأردنية ومن الجناح الذي يعلن عن نفسه باعتباره ممثلاً للمعارضة الخارجية مستنكرة هذه المعارضة، مع التأكيد على أن المعارضة الحقيقية والأخلاقية في الداخل فقط وتحت ستار حقوق التعبير والاعتراض المضمونة دستورياً.
لهجة الوزيرة غنيمات هنا تعبر عن توافق أو تسوية حصلت خلف الكواليس ما بين موقف واتجاه حكومة الرئيس عمر الرزاز، عندما يتعلق الأمر بقواعد الاشتباك أثناء الاحتجاز وما بين موقف الأجهزة الأمنية أو المؤسسة الأمنية في الدولة التي يقال إنها تحفظت أو لم تعجبها دعوة الرزاز العملية للمحتجين لحمل يافطات.
تحذير لأول مرة من «أصحاب أجندات» ومن معارضة خارجية «مشبوهة»
مثل هذه اللهجة قد تسبق سهرة الخميس الاحتجاجية في الدوار الرابع على أساس رسالة صارمة من أوساط ومراكز القرار، قوامها التدخل الأمني القانوني في حال مخالفة القانون، بالتوازي مع السماح بالتعبير المنظم والاحتجاج. بمعنى آخر، أفرجت الحكومة عن موقوفين، وليس عن كل المعتقلين السياسيين، وتدفع باتجاه ترتيب لا يترك الحبل على الغارب لحملة «معناش» التي بدأت تروج لنفسها بنجاح في العديد من زوايا ومحطات الشرائح الاجتماعية.
ويعني ذلك عملياً بأن الرسالة ضمنياً تشير إلى أن السلطة ستواصل مرونتها في الإحاطة وحماية الاعتراض السلمي بضغط من رئيس الوزراء الدكتور الرزاز، لكنها قد تتدخل عندما تحصل مخالفة للقانون.
وهو تعبير مطاطي يسمح للأمن في الميدان بغطاء سياسي عند التحرك، سواء في الاعتداء على مصالح المواطنين ومرافق الشارع أو عند إطلاق هتافات بسقف يتجاوز الخطوط الحمراء.
تلك، في كل حال، ملامح تسوية تقبلها الأسرة الحراكية وإن كانت مرفوضة في مقايسات ومقاربات الجناح المتشدد من حراكي «معناش» الذي يتعامل مع المشهد اليوم انطلاقاً من شعوره بالزهو والانتصار ومضايقة الحكومة، حيث إن المطلوب لم يعد إسقاط قانون الضريبة فقط، بل إسقاط النهج الاقتصادي برمته للدولة، في هتاف يرى سياسيون عميقون بأنه ينطوي على مبالغة ويتميز ببعض العبث ولا يمكن تلبيته في النتيجة. لأن تغيير النهج والخطط الاقتصادية يتطلب قبل كل الاعتبارات وقتاً إضافياً ومنح الحكومة الحالية فرصة للعمل، كما لمحت الوزيرة غنيمات في مؤتمرها الصحفي، وكما ألمح قبلها رئيسها الرزاز عندما اشتكى علناً من المطالب الحراكية العدمية والعبثية.
في كل حال، استبقت الحكومة المسار أيضاً بتسريع العمل على قانون العفو العام حتى تتشكل محاولة جديدة للاحتواء والاختراق عشية الخميس الثالث من حملة «معناش». لكن هذه الخطوات الحكومية قد لا تنتهي بالاحتواء فعلاً، ليس فقط لأن بعض الأطراف الحزبية اليسارية استدركت وأعلنت مشاركتها في الفعالية الثالثة لحملة معناش. ولكن أيضاً لأن حوار الرزاز قبل ثلاثة أيام مع عدد من الحراكيين نجح نسبياً في التأسيس لخلافات داخل أوساط الحملة المشار إليها. وكذلك لأن الظروف الاقتصادية صعبة جداً، وخسائر تطبيقات قانون الضريبة الجديد تساهم هي الأخرى في توسيع رقعة المحتجين، الذين يمكن استقطابهم لصالح مسار «معناش»، وهو بكل حال لا يزال مساراً حراكياً يجذب مشاعر المواطنين ويقلق السلطة ويتميز بالصوت المرتفع، لكنه لم يتنظم بعد لا على المستوى المؤسسي ولا على مستوى لجان تنسيق واضحة المعالم تهدد هوية وخلفية المجموعة التي تتبنى التحشيد لصالح حراك معناش عبر منصات التواصل الاجتماعي والإلكتروني.
ولأن الهرم التنسيقي والتنظيمي هنا غير واضح، تضمنت اللهجة التي تحدثت بها الوزيرة غنيمات، وتقريباً لأول مرة، إشارات من نوع وجود أجندات خارجية ومخترقين محتملين لبرنامج التعبير السلمي وجناح في المعارضة الخارجية مشتبه بدوافعه.
جانب من مظاهرات «معناش»